الطب > السرطان
سلسلة ما هو السرطان - الحلقة العاشرة - أين ينتشر السرطان
إلى أين تستطيع السرطانات أن تنتشر؟
في الواقع يستطيع السرطان الانتشار إلى أي مكان، إلا أنّ معظم السرطانات تميل للانتشار إلى مكان أو مكانين في الجسم. (الصورة 1)
يعتمد علاج السرطان المنتشر (السرطان الثانوي) على الموضع الذي نشأ منه (السرطان البدئي)، لذلك فإنّ سرطان الثدي الذي انتشر إلى الرئة يعالَج كسرطان ثدي وليس كسرطان رئة، حيث يتم استخدام علاجات خاصة للسرطانات المنتشرة سنذكرها لاحقاً.
الرئتان:
الرئتان هما أشيع الأعضاء التي ينتشر إليها السرطان، لأنّ معظم الدم الذي يخرج من معظم أعضاء الجسم يذهب إلى القلب ومنه إلى الرئة قبل مروره بباقي الأعضاء. وتُحتجَز الخلايا السرطانية الواصلة إلى مجرى الدم بالشعريات الدموية في الرئة.
قد لا تسبب السرطانات المنتشرة إلى الرئتين أية أعراض، إلا أنّها قد تسبب:
• سعال مستمر .
• زلّة تنفسية (ضيق نفس).
• عداوى (إنتانات) رئوية.
• تجمّع سائل بين جدار الصدر والرئة يُدعى انصباب جَنْبِي Pleural effusion، وهذا السائل بدوره يسبب زلة تنفسية وألم صدري وثقل وعدم ارتياح. (الصورة 2)
تتجمّع هذه السوائل لأن الخلايا السرطانية تقوم بتخريش وريقة الجنب (وهي الوريقة التي تغلّف الرئة وتبطّن جدار الصدر). وقد توجد الخلايا السرطانية في الحَيَّز الجَنبي pleural space فتمنع نزح السوائل إلى خارج الرئتين. وعندما نتنفس تمتلئ الرئتان بالهواء وتنتفخان، ولكنّ وجود السوائل في هذه الحالة سيضغط على الرئة ويمنعها من التمدّد بشكل كافٍ. (الصورة 3)
يستطيع الأطباء تفريغ هذا السائل عن طريق وضع إبرة أو أنبوب رفيع في الحيّز أو المسافة الجنبيّة، وتدعى هذه العملية "بَزْل الجَنْب pleural tap، وفي حال لم يتمكّنوا من إيقاف تجمّع هذا السائل سيعود ويملأ الجنب من جديد.
الكبد:
يمكن أن تنتشر الكثير من السرطانات إلى الكبد، وهذا ما حدث بشكل خاص في سرطانات الجهاز الهضمي لأنّ الدم الذي يخرج من الجهاز الهضمي يمر عبر الكبد قبل ذهابه إلى القلب، وهناك في الكبد تلتصق وتُحتجز الخلايا السرطانية بالشعيرات الدموية.
قد لا تسبب النقائل الكبدية أية أعراض، وقد تسبب:
• نقص في الطاقة.
• الشعور بالاعتلال والمرض .
• نقص الشهية .
• انزعاج في الناحية اليمنى من البطن، أسفل الحافة الضلعية.
• اليرقان.
• تجمّع السوائل في البطن (الحَبَن أو الاستسقاء ascites).
اليرقان Jaundice هو مصطلح طبي يعبّر عن ارتفاع مستوى الأملاح الصفراوية (البيليروبين) في الدم، وهذا يحدث عادة عندما تنسدّ الأقنية الصفراوية في الكبد. إنّ زيادة الأملاح الصفراوية يجعل الجلد وبياض العين مصطبغاً بالأصفر، كما أنه يسبب حكة جلدية، وعادةً ما يصبح البول غامق اللون والبراز بلون شاحب.
يحدث الحَبَن Ascites لعدة أسباب، وغالباً ما يحدث عند انتشار السرطان إلى الكبد، إلا أنه يمكن أن يحدث أيضاً عند انتشار السرطان (كسرطان المبيض مثلاً) إلى بطانة البطن (البريتوان أو الصِّفاق peritoneum). تقوم الخلايا السرطانية بتخريش البريتوان فيؤدي ذلك إلى نزح السوائل وتجمعها في جوف البطن.
أيضاً يمكن أن يتشكل سائل الحَبَن عندما يضغط السرطان على الأوعية الدموية التي تمر عبر الكبد. يقوم الكبد الطبيعي بإنتاج البروتينات الجائلة في الدوران، حيث تمنع هذه البروتيناتُ السوائلَ من النزوح إلى خارج الأوعية، وفي حال إصابة الكبد فإنه لن يقوم بإنتاج كميات كافية من هذه البروتينات مما سيؤدي إلى نزوح السوائل من داخل الأوعية إلى خارجها وتجمعها في البطن أو في أماكن أخرى كالقدمين والكاحلين (حيث تتشكل وذمات edemas في الطرفين السفليين). (الصورة 4)
يستطيع الأطباء تفريغ هذا السائل عن طريق وضع إبرة عبر جدار البطن (وهذا ما يسمى بزل الحَبَن)، وفي حال لم يتمكنوا من إيقاف تجمع السائل فإنه سيعود ويملأ البطن من جديد.
يمكن أحياناً اللجوء إلى الأدوية كدواء Catumaxomab (اسمه التجاري Removab) حيث يُحقن داخل البطن فيقوم بجذب الخلايا المناعية إلى منطقة الورم، أو يمكن وضع أنبوب داخلي تحت جلد البطن ليقوم بنزح السوائل بشكل مستمر. (الصورة 5)
العقد اللمفاوية The lymph nodes:
من الشائع جداً أن تنتقل الخلايا السرطانية من مكان نشوئها الأساسي إلى العقد اللمفاوية القريبة نتيجة الدوران الطبيعي لسوائل الأنسجة من الأعضاء عبر الدوران اللمفاوي.
عندما يقوم الجرّاح باستئصال السرطان البدئي فإنه يستأصل العقد اللمفاوية التي غالباً ما يكون السرطان قد انتشر إليها. في حال الخشية من عودة السرطان من جديد (النُّكس) أو انتشاره، يقدّم الطبيب علاجات وقائية كالعلاج الشعاعي والعلاج الكيميائي.
عند انتشار السرطان إلى العقد اللمفاوية تتورّم أو تتضخّم، مما يجعل من السهل رؤيتها إذا كانت قريبة من سطح الجسم (مثال: العقد الموجودة في العنق أو الإبط). ولكن إذا كانت العقد عميقة داخل الجسم، لا يمكن كشفها إلا بالتصوير.
قد لا تسبب السرطانات المنتشرة إلى العقد اللمفاوية أية أعراض ، ولكن العقد المتضخّمة قد تضغط أحياناً على الأوعية وتسدها مما يؤدي إلى تورّم العضو الذي أصيبت أوعيته (مثال: العقد المتضخمة في منطقة الإبط أو المنطقة الإربية groin -وتدعى أيضاً المنطقة المِغْبَنيّة، وتقع عند بداية الفخذ عند الرباط الإربي- تسبب تورماً في الذراع والساق في الجهة الموافقة لمكان وجود الورم. يدعى هذا التورّم بالوَذمة اللمفيّة lymphoedema.
العظام:
تميل بعض السرطانات للانتقال إلى العظام، كسرطان البروستات والثدي والرئة.
من أشيع التأثيرات التي تسببها السرطانات الثانوية في العظام:
• ألم في العظم المصاب.
• ضعف في العظم المصاب.
• ارتفاع نسبة الكالسيوم في الدم.
يحدث الألم نتيجة تكاثر الخلايا السرطانية في العظم وضغطها على الأعصاب. من ناحية أخرى قد يؤدي السرطان النامي إلى إضعاف العظم المصاب نتيجة تأثيره على بنيته الطبيعية، مما يجعله أكثر قابلية للكسر، وهذا ما يسمى الكسر المرضي Pathological fracture. يمكن تصحيح هذه الكسور جراحياً بوضع سيخ معدني أو صفيحة معدنية لتقوية العظم.
في حال وجود عظم ضعيف فإن الطبيب سيطلب علاجاً شعاعياً بهدف قتل الخلايا السرطانية، ليبدأ العظم بتقوية نفسه بنفسه بعد ذلك. أضف إلى ذلك أنّ العلاج الشعاعي يخفف الألم أيضاً.
يتحرر الكالسيوم من العظم المتأذّي، وفي حال ارتفاع مستوى الكالسيوم في الدم فقد يشعر الشخص بـ:
• الاعتلال أو التوعّك.
• التعب والوَسَن (النعاس) والتشوّش الذهني.
• الإمساك.
• العطش الشديد.
وفي حال ارتفاع مستوى الكالسيوم بشكل كبير جداً فقد يسبب هياجاً أو نزقاً وتخليطاً ذهنياً، وقد يؤدي إلى فقدان الوعي. البيسفوسفونات bisphosphonates هي أدوية تستعمل في تدبير فرط الكالسيوم. كما أنّ هذه الأدوية يمكنها أن تبطئ أو توقف نمو الخلايا السرطانية في العظم لفترة من الزمن.
الدماغ:
من غير الشائع كثيراً أن تنتقل السرطانات إلى الدماغ، ولكنّه أمر وارد الحدوث. فيمكن لسرطانات الرئة والثدي أن تنتشر إلى الدماغ، وكذلك باقي السرطانات (الكولون والكلية والأورام الميلانينية أو الميلانوما).
أشيع الأعراض التي تسببها النقائل الدماغية هي: الصداع والغثيان؛ إذ أنّ الورم المتنامي ضمن الدماغ يأخذ حيّزاً من الفراغ (لأنه ينمو ضمن جوف مغلق) حيث أن الدماغ محدود بالجمجمة، لذلك سيزيد السرطان المتنامي من الضغط داخل الجمجمة مما يسبب ارتفاعاً في الضغط داخل القحف Intracranial Pressure.
تعتمد الأعراض الأخرى على الجزء المصاب من الدماغ وعلى حجم النقائل الدماغية. فالنقائل الدماغية الصغيرة قد لا تسبب أعراضاً على الإطلاق، وعند وجود أعراض فقد تكون أياً مما يلي:
• ضعف في الذراع أو الساق أو في أحد جانبي الجسم.
• الكآبة أو تغير السلوك.
• نوبات اختلاج fits (نوبات صرعية).
• تخليط ذهني.
• الوسن والميل للنوم .
• دوار vertigo.
• تشوش الذهن أو الشعور بعدم الاستقرار.
يمكن علاج النقائل الدماغية بالعلاج الشعاعي، كما توصف الستيروئيدات Steroids (الكورتيزونات) أحياناً لتخفيف الوذمة الدماغية وبالتالي لتخفيف الضغط داخل القحف. تسبب الستيروئيدات تحسناً كبيراً في الأعراض.
الجلد:
أحياناً تبدأ الخلايا السرطانية بالنمو ضمن الجلد، وهذا يختلف عن سرطانات الجلد البدئية كالميلانوما أو لمفوما الخلايا التائية (لمفوما تصيب الجلد). قد تبدأ السرطانات الثانوية بالنمو على جرح العملية أو قريباً منه في المكان الذي تم استئصال الورم البدئي منه. وقد تنمو النقائل الجلدية في أماكن أخرى من الجسم بعيداً عن السرطان الأساسي.
تبدو النقائل الجلدية ككتل مرتفعة عن سطح الجلد (تشبه الدمّلة) زهرية أو حمراء اللون، ويجب علاج هذه العقد وإلا فإنها ستتقرّح.
المصدر:
الحلقات السابقة من السلسلة: