العمارة والتشييد > التشييد
Green BIM؛ التكامل الهندسي لخدمة الاستدامة البيئية
انتشر في السنوات الأخيرة مفهوم (الأبنية الخضراء - Green Buildings) بوصفها حلًّا لقضايا الاستدامة والتقليل من انبعاثات غاز (ثاني أكسيد الكربون - CO2) والاعتماد على الوقود الأحفوري (1) والحفاظ على البيئة التي أصبحت هاجسًا لدى العاملين في صناعة التشييد لا سيما أن هذه الصناعة باتت تشكل 30% إلى 40% من إجمالي الاستهلاك العالمي للطاقة وثلث انبعاثات الغازات الدفيئة (2).
وبرزت على صعيدٍ آخر تقنية (نمذجة معلومات البناء Building Information Modeling - BIM) التي تُعرَّف بأنها مجموعةٌ من التقنيات والعمليات المترابطة التي توفر منهجًا منظَّمًا لإدارة المعلومات المهمة في المشروع وتصميمه رقميًّا في خلال دورة حياة المبنى (3) من خلال تمثيل الجوانب المادية والوظيفية له (2)، وتتميز هذه التقنية بأنها تسمح بجمع المعلومات من التخصصات المختلفة في نموذجٍ واحدٍ (3) ما أحدث ثورةً في عالم البناء والتشييد.
ونظرًا للزخم المستمر الذي تكتسبه كلٌّ من الأبنية الخضراء وتقنية BIM؛ تعمل شركات التشييد على دمج المفهومين تحت ما يعرف بـ(Green BIM) للمساعدة على دمج المكونات المستدامة في دورة حياة المشروع، واتخاذ القرارات المناسبة في مرحلة التصميم للتأثير في كفاءة المشروع وأدائه فيما يتعلق باستهلاك الطاقة، ولا ينحصر تطبيق هذه التقنية على مرحلة التصميم فقط؛ بل يمتد ليشمل دورة حياة المبنى كاملةً (3)، وبدأ العمل على تطبيق هذه التقنية في الأبنية الخضراء منذ النقاش الأول حول مفهوم وتطبيق BIM في عام 1999 (1).
تعتمد Green BIM على بعدين مهمين هما: (مراحل المشروع - Project Phases) التي تجسد دورة حياة المشروع بدءًا بمرحلة التصميم مرورًا بالتنفيذ والتشغيل والصيانة وانتهاءً بالهدم والإزالة، و(السمات الخضراء - Green Attributes) وهي اعتبارات الاستدامة التي يمكن معالجتها بوساطة BIM مثل الطاقة وانبعاثات الكربون والراحة الحرارية والإضاءة والتهوية الطبيعية (1)، ويوضح الشكل أدناه التفاعل بين هذين البعدين؛ إذ تشير الأسهم الخضراء إلى تأثير BIM في الأبنية الخضراء.
ويمكن وصف تطبيق Green BIM في خلال دورة حياة المشروع وفق ما يأتي:
أولًا– مرحلة (التصميم - Design): هي المرحلة التي تُتَّخَذ عندها القرارات المتعلقة بالاستدامة واستهلاك الطاقة والتصميم البيئي للمباني، ويساعد اتخاذ القرارات في وقتٍ مبكرٍ على جعل عملية التصميم المستدام أكثر كفاءةً وفعاليةً لجهة التكلفة، وتوفر تطبيقات BIM وجهات نظرٍ أكثر تكاملًا وأدق تصورًا لأداء المبنى في مراحل التصميم المبكرة، وتمكن المهندسون على اختلاف تخصصاتهم من مشاركة المعلومات المتعلقة بالاستدامة؛ ما يمكِّن المصممين من تقييم البدائل المتاحة لإدراك الآثار المترتبة عن التصاميم الخاصة بهم في الأداء البيئي وكفاءة المبنى (1,3)، فعلى سبيل المثال: ساعدت أدوات BIM على تحسين تقدير مخلفات البناء وتخطيطها بصورةٍ كبيرةٍ (1) إضافةً إلى مساعدتها في تقليل الآثار البيئية الناتجة عن أخطاء التصميم (3).
ثانيًا – مرحلة (التشييد - Construction): وتكمن أهمية هذه المرحلة في تأثيرها الكبير في البيئة من جوانبَ كثيرةٍ أهمها مستويات انبعاثات الكربون، الضوضاء، استهلاك المواد (1)، وتُعدُّ أعمال الحفر ومعدات البناء وشاحنات خلط الخَرَسانة من أهم أسباب هذه التأثيرات البيئية (3)، توفر تقنية BIM حلولًا فعالةً للتخفيف من هذه التأثيرات مثل: قياس نسبة الكربون وتقديم توصياتٍ لتحسين أنشطة البناء وتقليل الانبعاثات، ويمكن أن تسهم في الحد من المخلفات، وهو ما استفاد منه مركز شنغهاي؛ إذ ساعدت BIM المشروع على تحقيق معدل مخلفاتٍ وصل إلى 4% فقط مقارنةً مع 10% في المستوى المتوسط في الصين، ويمكنه تقليل المخلفات الناتجة عن إعادة العمل، وضعف التنسيق وسوء الإدارة في الموقع (1).
ثالثًا– مرحلة (التشغيل - Operation): تُعدُّ مراقبة أداء المبنى مهمةً جدًّا للحفاظ على الاستدامة في مرحلة التشغيل (1)؛ إذ يشكل استهلاك الطاقة في مرحلة التشغيل حيزًا كبيرًا من استهلاك الطاقة في جل دورة حياة المبنى (3)، ويمكن استخدام تطبيقات BIM للتحقق من الأداء الفعلي للمبنى ومقارنته بالأهداف المحددة في خلال مرحلة التصميم من خلال جمع معلومات المبنى لمختلف التخصصات في مختلف المراحل (1)، وتحليل الأداء البيئي للمبنى في أثناء مرحلة التشغيل لجوانبَ عدةٍ أهمها تحليل متطلبات التدفئة والتبريد، وتحديد فرص الإضاءة النهارية للمساعدة في تقليل أحمال الطاقة الكهربائية (3).
رابعًا– مرحلة (الصيانة والتجديد - Maintenance/ Retrofit): يساعد تجديد المباني الحالية في تعزيز الحفاظ على الموارد الطبيعية وتقليل استهلاك المبنى بصورةٍ كبيرةٍ (3)، وتوفر تطبيقات BIM حلولًا مجديةً لمعالجة مشكلات الاستدامة في مختلف المشروعات (1)، على سبيل المثال: يساعد (نموذج التجديد الافتراضي - virtual retrofit model) في اتخاذ القرارات لمشاريع التجديد بصورةٍ مبسطةٍ من خلال الدمج بين BIM ومحاكاة الطاقة وغيرها من التقنيات، ويمكن لـ BIM تقدير كمية مخلفات البناء الناتجة عن عمليات التجديد والهدم تلقائيًّا وبدقةٍ (1).
وتمتلك BIM عددًا كبيرًا من التطبيقات في مختلف المجالات البيئية، منها تحسين حساب استهلاك طاقة المبنى استنادًا إلى معاييرَ مختلفةٍ مثل استخدام المبنى ومواد البناء والظروف الجوية، وتقدير جدوى اعتماد الطاقة المتجددة، وتوفير تصاميم مختلفة لتقليل انبعاثات الكربون، وتقدير السعة المحتملة للتهوية الطبيعية للتعامل مع أحمال التدفئة والتبريد، ودراسة الإضاءة الطبيعية وتقدير توزيع المياه في المبنى وتحسينه (1).
يُتوقَّع لتقنية Green BIM انتشارًا مستقبليًّا واسعًا خصوصًا أن المباني الخضراء باتت اتجاهًا معماريًّا لا مفر منه لتحقيق الاستدامة والحفاظ على البيئة، ما يتطلب تكاملًا بين التخصصات الهندسية المختلفة وهو ما تحققه نمذجة معلومات المباني، فهل تتفق مع هذا التوجه؟
المصادر:
2. Zheng W, Chen J. Effect of BIM Technology on Green Buildings. International Conference on Construction and Real Estate Management 2018 [Internet]. Reston - US: American Society of Civil Engineers; 2018 [cited 13 November 2021]. Available from: هنا
3. Wong J, Zhou J. Enhancing environmental sustainability over building life cycles through green BIM: A review. Automation in Construction [Internet]. 2015 [cited 13 November 2021];57:156-165. Available from: هنا
تعديل الصورة: Amal garip