الفلسفة وعلم الاجتماع > علم الاجتماع
كيف يؤثر المشاهير في أسلوب حياتك اليومية؟!
هل قررت يوماً شراء منتج لأن أحد المشاهير قد أشاد به؟ أو اتخذتَ موقفاً من بعض القضايا الاجتماعية أو السياسية بناءً على رأي نجمك المفضل منه؟
يؤثّرُ المشاهيرُ والشخصيات العامّة في أدقّ تفاصيل حياتنا دون أن نلحظ ذلك، فنتأثر بإطلالاتِهم المختلفة لتتحوّل إلى موضة يتبعها جيل بأكمله لاحقاً، ويبدو ذلك بتسريحاتِ الشعر والأزياء وأسلوب الكلام واستخدام كلمات مميزة لهم، ويتعدى ذلك ليؤثّر في قيمنا وأفكارنا واتجاهاتنا وأذواقنا، مما يدفعنا لتتبّع أخبار أبطالنا وتنقّلاتهم وآخر أعمالهم.
تبدأُ هذه الظاهرة بالبروزِ منذ الطفولة؛ فالأطفال مثلنا تمامًا، لديهم مشاهيرهم الذين يتأثرون بهم؛ إذ يبحثُ الأطفال في عمرٍ مبكرة عن قدوةٍ وأنموذج يحتذَون به، وتتّجه أنظارهم في البداية إلى محيطِهم القريب فيتعلّمون من والدَيهم ويلاحظون سلوكياتهم ويقلدونها، وفي وقتٍ لاحقٍ من حياتهم يبدأ المعلمون والمربون في المدارس بتأدية دورٍ مهمٍ في ترسيخ هذه المبادئ والقيم والمهارات لدى الأطفال (1).
بشكلٍ موازٍ تسهمُ وسائل الإعلام بأشكالها المختلفة في الترويج لثقافة المجتمع وقيمها ورغباتها، فيتأثر الأطفال بالرسوم المتحرّكة وأبطالها، ومع أن برامج الأطفال هي ذات محتوىً ترفيهيٍ في المقام الأول، إلا أنها لا تخلو من الأفكارِ النمطيّة الجندريّة، فنرى أنّ أدوارَ البطولة غالبًا ما تكون من نصيب الشخصيات الذكوريّة، إذ يُصوَّرُ الذكور بطريقةٍ نمطيةٍ ليتَّسِموا بِسماتٍ مثل الشجاعة والحزم والاستقلال والغضب، ويظهَرون بأنهم أكثر ذكاءً وأكثر تفاعلًا ومرحًا من الشخصيات الأنثويّة. وقد تحملُ بعض هذه البرامجُ أفكاراً عنصريّة، من خلال تصوير الأبطال بملامحَ أوروبية وبشرة بيضاء، بينما يُصوَّرُ الأشرارُ بملامحَ شرقية وبشرة سمراء ولحىً وعيون شرّيرة، وأبرز مثال على ذلك فيلم علاء الدين أو بوكاهانتس وما حمله من دلالاتٍ ورسائلٍ عنصرية. ولا يمكننا أيضاً أن ننكرَ بأن كثيراً من أفلامِ الرّسوم المتحرّكة ذات محتوىً عنيف، وقد يرسّخُ سلوكًا عدوانيًا لدى الأطفال إذ يلجؤون للعنفِ كأداةٍ لحل المشكلات، وذلك تشبّهاً بأبطالِهم وقدوتهم (1).
أمّا في عالم البالغين، فإنّ انتشارَ ثقافة المشاهير ليست بظاهرةٍ جديدةٍ على المجتمع، إذ تُعدُّ هذه الثقافة إحدى أبرز سمات أواخر القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين، إذ يمكن ملاحظة مظاهر تأليه المشاهير والشخصيات العامة والاقتداء بهم.ويُعزى هذا جزئيٍّا لعلاقةِ المجتمع المضطربة مع مسألة السّلطة والنفوذ، فقد مُنحَ المشاهير جزءًا من هذه السلطة للتأثير في الجموع بطريقةٍ لا يستطيع السياسي التقليدي القيام بها، فوجدوا لدى المشاهير مصداقيةً مختلفةً قد لا يثقون بوجودها لدى السياسيين (2).
وأصبح لكل مجالٍ مشاهيرُه الخاصّين ولم تعد تقتصر الشهرة على نجوم السينما أو الغناء، أي بدأنا نشاهد علماء وأطبّاء وكتّاباً وطهاةً ولاعبي كرة قدم. وقد أسهم بذلك ما يسمى بصناعةِ النجوم وبرامج الواقع ووسائل التّواصل الاجتماعيّ المختلفة، إذ لم تعد الشهرة حِكرًا على الموهوبين وأصحاب القدرات المتفوقة والاستثنائية، بل أصبحت متاحةً أيضًا للأشخاص العاديين، منهم من قد يحظى بدعمٍ إعلاميٍ هائل ليصبح في مصافِ المشاهير بسرعةٍ قياسيّة، إلا أنّ هذا النوع غالبًا ما نلاحظ اختفاءَهم بالسرعةِ نفسها التي اشتهروا بها (2).
يؤثرُ هؤلاء المشاهير في تكوينِ شخصية الشباب والأطفال وهويتهم وتطلعاتهم، ويمثلون النجاح الذي يسعون إليه، ويحظى المشاهير بالإعجاب غالباً لا لشخصياتهم وأعمالهم، بل لأشكالهم وأجسادهم، لذلك نجد المعجبين يتأثرون بسلوكهم ويقلّدون تصرفاتهم، وطريقة كلامهم ويستخدمون ألفاظاً يشتهرون بها، ويختارون ملابسَ وتسريحاتِ شعر تشبه قدوتهم، إلا أنّ هذه الظاهرة المتمثلة بما يُسمّى "عبادة المشاهير" دفعت الشباب لمحاولة إثبات أنفسهم وتقييم نجاحاتهم من خلال "الشهرة"، رافضين المسارات الأكثر تقليدية للنجاح كالتحصيل العلميّ والعمل الجاد والمؤهّلاتِ الأكاديمية (3). ومثال ذلك ما حدث مع ظهور شخصيةِ "جبل شيخ الجبل" في الدراما العربية أو الانتشار الكبير العالميّ لفرقة "BTS" الكوريّة.
إلى جانب ذلك يشكل لاعبو كرةِ القدم أبرز المشاهير الذين يحظون بالمتابعةِ الكبيرة والإعجاب، إذ يُنظَر إلى البطل الرياضيّ على أنه يعكسُ المثل الاجتماعية ويتسم بصفات الشجاعة والولاء واللّعب النظيف، ويتوقّع المعجبين من قدوتهم أن يجسّد وينقل القيم والمبادئ التي اكتسبها في الملاعب إلى الحياة اليومية، لكن تتأثر وتتشوّه صورة البطل الرياضي مع انتشار أخبارٍ تتعلق بالاعتداء والعنف ضد الزّوجة أو الصديقة، أو تعاطي المخدرات، أو الإفراط في تناول الكحول، مما يشكّل صدمةً للمعجبين تتناقض مع توقعاتهم الاجتماعية من أبطالهم، بالمقابل هناك تهميشٌ وتغييب لنجوم الرياضة الإناث لنلاحظَ غياب القدوة الرياضية منهنّ بالنسبةِ للفتيات (4).
استفادت العلاماتُ التجارية والشركاتُ الكبرى، من التّأثير الكبير للمشاهير على معجبيهم، الذين اعتبروهم قدوة حقيقية، ومن خلالهم حققوا أرباحاً مضاعفة وانتشاراً أوسع، فأصبح لكلّ علامة تجارية عالمية وجهٌ إعلامي من المشاهير، يسهم في حملات الترويج والإعلان لضمان التأثير في المتلقين، ولم يكتفوا بذلك بل استفادوا من شهرة المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين أصبح لهم تأثير في مواقف الشباب وسلوكياتهم، إذ أُخذَت نصائحُهم على محمل الجد، وكَسبَت آراؤهم ثقة المتابعين، الذين رغبوا في الحصول على نمط حياة وذوق مشابه، مما زاد احتمال تقليدهم والتأثّر بما يعرضوه، وبذلك شكلوا قدوةَ هذا العصر (5).
وأنتم هل ترونَ أي شخصيةٍ مشهورة قدوةً لكم؟ وهل تؤثرُ في خياراتِكم الحياتية؟!
المصادر: