الفلسفة وعلم الاجتماع > التحرش جريمة حتى لو بمسج
لا؛ ليس الجنس هو السبب الرئيس للتحرش الجنسيِّ عبرَ الإنترنت!
#التحرش_جريمة_حتى_لو_بمسج
قد يعتقد معظم الناس أن أهم سبب للتحرش الجنسي الإلكتروني هو الإشباع الجنسي عند الجاني، ولكن ما ثُبت تجريبيًّا بأن الجنس في هذه الحالة ليس إلا لإشباع حاجة الجاني للسلطة والهيمنة مع التأكيد على أنه لن يحدث هذا التحرش دون وجود أشخاص لديهم نوايا لارتكاب إساءات جنسية (1).
هذا الشعور بالهيمنة والسلطة لدى المتحرش تخدمه عديد من العوامل التي تتوفر على الإنترنت فحسْب، عوامل مثل إخفاء الهوية (حساب باسم غير حقيقي) وعدم رؤية الشخص مباشرةً وغياب التواصل البصري وسهولة الهروب وقلة المساءلة الشخصية جميعها تؤثر في الأشخاص للتخلي عن الأقنعة والحيل التي يستعملونها في حياتهم الاعتيادية وتدفعهم إلى التصرف تصرفًا أكثر اتساقًا مع صفاتهم الشخصية الأساسية والحقيقية، تجعلهم أكثر جرأةً وانفتاحًا واستعدادًا لتحمل المخاطر في الانخراط في الأنشطة المتعلقة بالجنس الذي يكون عليه الحال خلاف ذلك في الواقع (1,2).
تسمح البيئة التي يوفرها الإنترنت بظهور سلوكيات بشرية تعكس عن كثب الرغبات والاحتياجات الشخصية الداخلية المتأصلة داخل الفرد؛ أي تشجع ما يسمى بالذات الحقيقية وبذلك فإن أي شخصية لديها دافع للتحرش الجنسي فإنها تميل للتصرف وفقًا لرغبتها الداخلية في أثناء الاتصال بالإنترنت (1).
وتشير عديد من الدراسات إلى أن التحرش الجنسي عبر الإنترنت متفشٍّ وخطير، ويوفر وسيلة ملائمة وشائعة الاستخدام لفرض المحتوى الجنسي على النساء ويُعد بيئة مثالية لمرتكبي الجرائم الجنسية للتحرش الجنسي (1,3)؛ إذ إن توفر الإنترنت والقدرة على تحمل تكاليفه هما العاملان الأولان اللذان يعنيان معًا سهولة الوصول للأفراد على اختلاف ميولهم (2).
إن ربط تلك العوامل التي تتوفر على الإنترنت مع بيئةٍ فقط، تُعد واحدة من الأماكن القليلة الآمنة المتبقية للتعبير علنًا عن المواقف الذكورية والتحيز أو التمييز الجنسي ومساحة يمكن للرجال من خلالها تأكيد وضعهم الاجتماعي الأقوى بطريقة أوضح وأكثر إصرارًا من البيئة الواقعية، مما سينتج عنه سماح وقبول بمضايقة النساء واحتمالية عالية لسلوكيات التحرش الجنسي وخصوصًا من قبل الرجال ضد النساء (1,2).
ولكن هذه البيئة لا تشجع سلوكيات التحرش الجنسي فحسْب، بل تستثيرها أيضًا من خلال جو يتلقى فيه المتحرشون التسهيلات على نحوٍ يتسق مع ميولهم في التحرش الجنسي عبر ثلاثة جوانب (1):
أولًا: ميزات تقنية وعملية على الإنترنت تجعل السلوكيات المعادية للمجتمع أكثر شيوعًا، وبذلك يستفيد المتحرش من كونه مجهول الهوية وغير مرئي، إضافةً إلى وجود آليات هروب فورية، ولا يمكن تعقبها تقريبًا، إضافة إلى أن الطبيعة التفاعلية للإنترنت تحافظ على هذه السلوكيات وتسهم في تصعيدها، وجديرٌ بالذكر أنه في المقابل يرى باحثون آخرون أن البيئة الافتراضية تمكّن الناس من توفير حماية نسبية لأنفسهم من التحرش الجنسي وغيرها من الاعتداءات بما أن المستخدمين بإمكانهم زيادة خصوصيتهم ومن ثم يقلل الضرر المحتمل من التحرش الجنسي مقارنةً بالضرر المتوقع في الواقع (1).
ثانيًّا: الوضع القانوني الإشكالي في الإنترنت، إذ إن خرق القانون أمرٌ شائعٌ في هذه البيئات نتيجة الصعوبات الجسيمة في تطبيق القوانين المتعلقة بالإنترنت (1).
ثالثًا: والأكثر أهمية أن بيئة الإنترنت تتصف بالقيم الذكورية السائدة والتواصل العدواني؛ إذ تحتوي على عددٍ غير قليلٍ من المجموعات الافتراضية التي تتصف بمعاداتها للنساء وبترويج التحرش الجنسي وتسويغه (1,2)؛ خصوصًا عند معرفة أن الرجال أكثر عرضة لارتكاب التحرش الجنسي عندما يرون الآخرين يتحرشون (2)، وإن التحرش الجنسي عمومًا يرتبط استمراره وشيوعه وشدّته طردًا مع درجة التسامح معه اجتماعيًّا (1)؛ إذ أظهرت عديد من الأبحاث أن النساء أكثر عرضة للتعرض للتحرش الجنسي عندما يتسامح المحيط مع الفعل، وعندما يهيمن الذكور على البيئة ويكون ارتكاب الإساءات سهلًا مع تردّي وجود وسائل حمايةٍ وإنصاف لهن (2).
وبما أن الرجال أكثر عرضة للتصرف بعدوانية واتباع سلوكيات جدلية على الإنترنت بينما النساء أكثر عرضة للاكتفاء بالمشاهدة (2)؛ فإن النساء اللواتي يتطلعن لتشكيل صداقات افتراضية غالبًا يقعن ضحية للتحرش الجنسي (1).
جدير بالذكر أن بعض الدراسات تتوقع أن التحرش الجنسي الإلكتروني سيكون في تزايدٍ في المستقبل (1)، فما الخطوات والإجراءات التي يجب اتخاذها للحد والقضاء على هذه الظاهرة؟ وهل هناك أفقٌ لمحاسبة المتحرشين وردعهم بطريقة قانونية أكثر فعالية؟
المصادر: