الفلسفة وعلم الاجتماع > التحرش جريمة حتى لو بمسج
كيف يحدث التحرش الجنسي الإلكتروني في أماكن العمل؟!
هناك كثيرٌ من الأسباب التي تدفع إلى إساءة استخدام الإنترنت في أماكن العمل؛ كتوافر الإنترنت المجاني وساعات العمل الطويلة، كذلك يعد مهربًا لبعضهم من ضغط العمل والحياة اليومية، والتحرش الجنسي الإلكتروني من أنواع إساءة استخدام الإنترنت في أماكن العمل، وهي ليست ظاهرة حديثة فقد سجلت حالات تحرش جنسي إلكتروني منذ تسعينات القرن الماضي؛ إذ إن انفتاح الناس على التعبير عن عواطفهم عبر الإنترنت وزيادة تقبل فكرة التعارف وإقامة العلاقات الاجتماعية عن طريقه أسهم في انتشار هذه الظاهرة (1).
يعرّف التحرش الجنسي الإلكتروني في مكان العمل بأنه استخدام الإنترنت للفعل خطوات غيرِ مرحب بها للتواصل والتفاعل مع الآخرين؛ كإرسال رسائل بمضامين موحية أو الإدلاء بتعليقات موحية أو ملاحظات تتعلق بجسم الشخص الآخر أو مظهره، كذلك المزاح المسيء والغزل غير المرحب به في أثناء اتصالات أو محادثات العمل أو السلوك غير اللائق في خلال مكالمة فيديو وأي سلوك يتضمن إيحاءات جنسية ويؤثر في قدرة الموظف على العمل ويخلق جوًّا غيرَ مريحٍ في أثناء العمل عبر الإنترنت، وهناك مؤشرات تدل على أن التحرش الجنسي الإلكتروني له الأثر السلبي نفسه الذي يسببه التحرش في مكان العمل مباشرة (2).
قد يرى البعض أن هذا النوع من التواصل المستمر عبارة عن إساءة وتحرش في حين قد يعده آخرون مجردَ تواصل لطيف ومزاح قائم على أساس الصداقة، ويستدعي هذا الخلاف في الرأي إلى أن هناك وسيط من مختصي الموارد البشرية عند وقوع حوادثَ مشابهة. وفي حين تعد العلاقات العاطفية السليمة في مكان العمل أمرًا إيجابيًّا لكنها قد تتحول إلى تحرش مما يتطلب رقابة قانونية وتشكيل سياسة لضبط الموارد البشرية وخاصةً أن هذه العلاقات قد تقع كثيرًا بين شخصين متفاوتين في المرتبة الوظيفية (مدير وموظف)، قد أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في خلق حالات ادّعى فيها بعض الموظفين على غيرهم ممارسة تصرفات خارج مكان العمل أثرت في سلوكهم داخله، فحتى عند حدوث هذا النوع من التواصل خارج مكاتب العمل فإنه قد يجعل الموظفين غير مرتاحين للعودة إلى المكاتب أو للاجتماع بالزملاء (3).
وقد أظهرت التقارير الحديثة أن ضحايا التحرش الجنسي الإلكتروني يعانون نتائجَ قاسية لهذا الفعل تنعكس على صحتهم النفسية، فيصابون بالاكتئاب أو القلق أو نوبات الهلع وحتى التفكير بالانتحار، وتنعكس على صحتهم الجسدية أيضًا، مما يؤثر في فاعلية العمل ومصلحة المنظمة ككل، عدا عن تأثير هذا النوع من التحرش على مسيرة الفرد المهنية؛ إذ إنه يقلل رضا الفرد عن عمله، ويقلل إنتاجيته، وقد يؤدي إلى خسارة العمل أو الترقية (2).
نشرت مجلة (Pscychosexual Health) عام (2021) دراسة أجرتها الباحثتان (كانيكا أهويا - Kanika K. Ahuja) و(بريانكا بادي - Priyanka Padhy) عن تعرض النساء للتحرش الجنسي الإلكتروني في خلال ساعات العمل في فترة جائحة (كوفيد 19)، وأظهرت نتائج الدراسة أنّ هناك 62 حالة تجسد فيها التحرش الجنسي الإلكتروني في أماكن العمل بعدة أشكال، وتنوعت بين السلوك غير اللائق في الاتصالات الهاتفية عبر الإنترنت والسلوك غير اللائق مع الزملاء في خلال الاجتماعات (مثل التقاط صورة للشاشة أو تسجيلها) وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي واتصال المدير بإحدى موظفاته بعد منتصف الليل لأمر طارئ، ثم يتبين أنه لأمر اعتيادي وروتيني يمكن مناقشته في وقت أنسب، أو حتى تنظيم اجتماعات في أوقات غير ملائمة والمزاح المسيئ والمنحاز جنسيًّا أو الظهور في مكالمة فيديو بمظهر غير لائق مثل الظهور بارتداء الملابس الداخلية وغيرها من السلوكيات (2).
أما عن أسباب وقوع هذه الحوادث فإن أبرز الأسباب التي كشفت عنها الدراسة هو قلة الوعي بالتحرش الجنسي وأنواعه الجديدة وخاصةً التحرش الجنسي الإلكتروني، إضافة إلى عدم وجود حدود شخصية ومهنية واضحة بين الأفراد، كذلك استغلال المناصب والسلطة (2).
وتطرقت الدراسة كذلك إلى جانب شديد الأهمية وهو الخطوات التي اتخذها الضحايا بعد وقوع الحادثة، فقد توجه البعض بتقارير عنها إلى قسم الموارد البشرية، ولم يُفد معظم الضحايا بأي خطوة؛ وذلك لعدة أسباب أبرزها: قلة المعرفة بالأفعال التي تعد تحرشًا إلكترونيًا وصعوبة إيجاد دليل أو إثبات على بعض الأفعال وكذلك الخوف من السلطة أو خسارة العمل (2).
يشير ذلك إلى ضرورة رفع المؤسسات درجة الوعي لدى موظفيها بهذا النوع من إساءة استخدام الإنترنت، ومراقبة استخدامه خاصة من قبل الموظفين الذين يحتمل أنهم يعانون مشكلاتٍ معينة، إضافة إلى تطوير سياسة داخلية للحد من وقوع حوادث مشابهة (1).
المصادر: