الجغرافيا البشرية والعلوم الإقليمية > الديموغرافيا والجغرافيا الاجتماعية والثقافية
الهجرة؛ ملجأٌ جديد وأملٌ بحياةٍ أفضل
تُعد الهجرة ظاهرةً غير جديدة (1)، وقد تعدَّدت التعاريف التي تناولت هذا المفهوم، فعلى سبيل المثال؛ تُعرَّف الهجرة في السياق العالمي بأنها حركة شخص أو مجموعة من الأشخاص إمَّا عبر الحدود الدولية (هجرة دولية)، أو داخل الدولة بين حدود مناطقها المختلفة (هجرة داخلية)؛ فهي حركةٌ سكانية لا تنحصر بنوعٍ محدد، وتختلف في طولها وأسبابها والعوامل المكونة لها، وتشمل هجرة اللاجئين أو المهجَّرين أو المهاجرين لأسباب اقتصادية أو غيرها بما يضمُّ الأسباب المتعلقة بلمِّ شمل الأسرة. أما في سياق الاتحاد الأوروبي؛ فيشمل التعريف إقامة الشخص في دولة عضو في الاتحاد الأوروبي مدةً لا تقل عن 12 شهرًا بعد إقامته في دولةٍ أخرى، أو أولئك الذين توقفت إقامتهم في إحدى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي للمدة الزمنية نفسها؛ أي أنهم غادروا البلاد (2).
وعلى الرغم من اختلاف التعريفات المطروحة أعلاه لكنَّها تتفق على أنَّ الهجرة شكلٌ من أشكال انتقال السكان من مكانٍ إلى آخر.
تترافق الهجرة مع البحث عن ظروفٍ جديدةٍ للحياة، وقد تكون تجربةً إيجابيةً مليئةً بالتحديات للبعض، أو سلبيةً فُرِضت بسبب الظروف الخارجة عن سيطرتهم، وتؤثر قرارات الهجرة دائمًا في كلٍّ من البلدان التي يهاجر منها السكان والبلدان الجديدة التي يلجؤون إليها (1).
وقد شهد التاريخ البشري المتأخر موجاتٍ عدَّة من الهجرات الجماعية الضخمة؛ إذ استوعبت الولايات المتحدة الأمريكية عشرات الملايين من المهاجرين الأوروبيين في القرنين التاسع عشر والعشرين (3-5)، إضافةً إلى الملايين من المهاجرين الأفارقة الذين كانوا ضحايا ما عُرِف بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر بتجارة الرقيق (4,5). وظهرت أيضًا هجرات جماعية تُقدَّر بالملايين داخل القارة الأوروبية نفسها بسبب الأحداث السياسية الكبرى مثل الحرب العالمية الثانية وتفكك الاتحاد السوفييتي وسقوط جدار برلين (4). وشهد الجانب الآخر من العالم أيضًا وتحديدًا في القارة الآسيوية هجرات جماعية تُقدَّر بعشرات الملايين عبر حدود الهند وباكستان بعد إعلان تقسيم الهند عام 1947م (6).
فلم تكن الهجرة حدثًا عرضيًّا؛ بل ظاهرةً اجتماعيةً متكرِّرةً مع ظروف أو أسباب مختلفة ومتنوعة بين الأماكن التي شهدت موجات الهجرة في بلد المنشأ أو الأماكن التي استقبلت هذه الموجات في بلد الوصول.
أمَّا فيما يتعلَّق بنظريات الهجرة، فعلى الرغم من عدم وجود نظريةٍ عامة تحدد أسبابها (7,8)؛ يحاول بعض الباحثين تحديد الأسباب الكامنة وراء قرار الهجرة (8).
ونظرًا للطبيعة المعقدة للهجرة، حاولت بعض النظريات -والتي تطور كلٌّ منها على نحوٍ مستقل- تغطية الجوانب المتنوعة للهجرة على مستويات مختلفة من التحليل باستخدام افتراضات عدة (7)، ولاحظ الجغرافيون أنَّ الهجرة عملية زمانية-مكانية (9).
فما هذه الافتراضات؟ وما النظريات التي حاولت تفسير هذه الظاهرة؟
هذا ما سنتناوله بالتفصيل في مقالاتنا القادمة لنتعرَّف معًا إلى مستويات الهجرة وأسسها النظرية ونماذجها.
المصادر: