مرض باركنسون والحليب، علاقةٌ غريبة

مرض باركنسون (Parkinson Disease)(PD): هو مرض تنكسي عصبي يتميز بفقدان تدريجي للخلايا العصبية الدوبامينية Dopaminergic neurons. العوامل المسببة غير معروفة بدقة، ويُعتَقد أن العوامل البيئية تؤدي دورًا في السمية العصبية Neurotoxicity، خاصة العوامل التي تسهم في الإجهاد التأكسدي Oxidative stress، مثل المبيدات الحشرية أو المعادن الثقيلة، وقد تكون العوامل الغذائية ذات صلة؛ لأنها قد تغير توازن الأكسدة والإرجاع Redox في الدماغ أو تعمل وسيلةً للسموم العصبية البيئية (1).

تُرى لماذا يحب مرضى باركنسون الحليب؟

نفترض أن التغيير النفسي والعاطفي في هذا المرض قد يؤدي إلى تعديلات في سلوك الأكل، وقد تظهر الأعراض غير الحركية مثل الاكتئاب أو القلق أو اللامبالاة وتسبق الأعراض الحركية؛ إذ إن هناك ارتباطًا بين الأطعمة والحالات المزاجية، وخاصة أعراض الاكتئاب. لكن لماذا يفضل هؤلاء المرضى الحليب على الأطعمة الأخرى جميعها؟

إحدى الفرضيات المحتملة أن استهلاك الحليب قد يرتبط بتغيرات المزاج؛ إذ كان استهلاك منتجات الألبان مرتبطًا بأعراض الاكتئاب. ويمكن ربط هذا بـ alpha-lactalbumin، إحدى مكونات البروتين الرئيسة في الحليب الغني بالتريبتوفان Tryptophan طليعة السيروتونين Serotonin. إذ يؤدي اتباع نظام غذائي غني بألفا لاكتالبومين إلى زيادة نسبة التربتوفان، والتي تعد مؤشرًا غير مباشر إلى زيادة وظيفة السيروتونين في الدماغ (1).

أما عند الأفراد المعرضين للإجهاد، حسّن alpha-lactalbumin الحالة المزاجية وخفف استجابة الكورتيزول Cortisol بعد الإجهاد التجريبي. وعند الأفراد الذين يعانون القلق الشديد، كان لإعطاء alpha-lactalbumin تأثيرًا على مذاق الطعام (1).

لذلك يمكن تفسير استهلاك الحليب عند مرضى باركنسون ما قبل الحركة على أنه علاج ذاتي تلقائي يهدف إلى تحسين الحالة المزاجية، ونظرًا لأن التأثير سيكون طفيفًا للغاية، فلن يُلاحظ إلا بمزيد من الدراسات وعلى نطاق أوسع (1).

قد تفسرُ هذه الفرضية أيضًا سبب ارتباط الحليب ارتباطًا وثيقًا بمرض باركنسون أكثر من الجبن، أنه في عملية صنعِ الجبنِ، يُفصل مصل اللبن السائل الذي يحتوي على alpha-lactalbumin من اللبن الرائب الذي لا يحتوي الجبن عليه، علاوةً على ذلك، في عديد من البلدان الغربية، يُعد الحليب مشروبًا تقليديًا يُحفز على النوم ويمكن تناوله بسبب محتواه في الميلاتونين أو حسب الاعتقاد من قبل الأشخاص الذين يعانون اضطرابات النوم التي تتكرر في مرضى باركنسون قبل الحركة (1).

"ارتباط منتجات الحليب بخطر الإصابة بباركنسون"، ما صحة هذا العنوان؟

بينت بعض الدراسات ارتباطًا إيجابيًّا بين تناول الحليب وخطر الإصابة بمرض باركنسون؛ إذ كان تناول ثلاث حصص أو أكثر من منتجات الألبان قليلة الدسم يوميًّا مرتبطًا بزيادة خطر الإصابة بالمرض، إضافةً إلى ذلك، يبدو أن شرب أكثر من حصة واحدة من الحليب قليل الدسم أو الخالي من الدسم يوميًّا يزيد المخاطر مقارنة بمن يشربون أقل من حصة في الأسبوع. 

عمومًا إن نتائج الدراسات لا تظهر أن منتجات الألبان تسبب مرض باركنسون، ولكنها تشير إلى أن هناك ارتباطًا؛ لذا هناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث والدراسات قبل تقديم توصيات وتحذيرات حول استهلاك منتجات الألبان (2).

لكن مع الأسف وبسبب التكهنات والتحذيرات في الصحف العادية وعلى الإنترنت ومن الأطباء، يميل عديد من مرضى PD إلى تجنب منتجات الألبان، مما قد يؤدي إلى تدهور نظامهم الغذائي، خاصةً للمرضى المسنين منهم، كونهم معرضين لخطر نقص التغذية وفقدان الوزن وكتلة العضلات وهشاشة العظام وكسر الورك (1).

كيف يحفز الحليب المرض؟

اقتُرحت بعض الآليات لشرح الارتباط الواضح بين بعض منتجات الألبان وزيادة خطر الإصابة بمرض باركنسون، كالتأثير المضاد لبروتينات الألبان؛ إذ تشير مجموعة كبيرة من الأدلة إلى أن اليورات Urate قد تكون وقائية ضد المرض، وثبت أن الحليب وبروتيناته (الكازئين Casein واللاكتالبومين Lactalbumin) يقللان مستويات يورات المصل Serum urate لدى الأفراد الأصحاء؛ إذ ارتبط استهلاك أكثر من حصتين من منتجات الألبان يوميًّا مع انخفاض يورات المصل مقدار 0.19 ملغ/ ديسيلتر، في حين ارتبط استهلاك أكثر من حصة واحدة من الحليب يوميًّا مع انخفاض يورات المصل مقدار 0.25 ملغ/ ديسيلتر، وأن هذا قد يسهم في الارتباط الملحوظ بين الحليب وخطر الإصابة بمرض باركنسون، إلا أن تأثير هذا التغيير في مستوى البول قد يكون متواضعًا للغاية؛ إذ لا يفسر نتائجنا بالكامل (3).

عمومًا كان الارتباط بين مرض باركنسون والحليب أقوى من الارتباط بمنتجات الألبان الأخرى مثل الجبن أو اللبن (الزبادي) أو الزبدة (1).

آلية أخرى ممكنة هي الملوثات المحتملة الموجودة في منتجات الألبان مثل مبيدات الآفات، وجد أن شربَ الحليبِ مرتبطٌ بانخفاض كثافة الخلايا العصبية في المادة السوداء بين غير المدخنين، واُفترِض أن المستويات المنخفضة من المبيدات الحشرية أو غيرها من المواد الكيميائية السامة للأعصاب قد تكون متوفرة في الحليب ويمكن أن تتراكم في الدماغ وتزيد من خطر الإصابة بمرض باركنسون. ومع ذلك، فإن هذه الفرضية غير مرجحة إلى حد ما؛ لأن المنتجات منزوعة الدسم التي تحتوي على نسبة أقل من الدهون، لذلك انخفاض القدرة على إيواء المبيدات الحشرية لها التأثير نفسه (1,3).

في النهاية يجب التوضيح أنه لا يزال تفسير الارتباط بين منتجات الألبان ومرض باركنسون غير معروف؛ إذ ليس هناك دليل قاطع على أن الحليب يشكل عاملًا خطيرًا في المرض؛ لذلك لا يمكن التوصية بإيقاف استهلاك الحليب تمامًا، ويوصى بالتوقف عن التدخين أو شرب القهوة من أجل الوقاية من مرض باركنسون (1).

تدقيق لغوي: Amer Halimeh

المصادر: