الفنون البصرية > منوعات فنية
فتيات الغوريلا؛ معًا لتغيير تاريخ الفن
في عام 1985م في مدينة نيويورك الأمريكية، نظَّمت مجموعة من الفنانات مظاهرة للاحتجاج على مَعرض بعنوان "دراسة استقصائية دولية للرسم والنحت"، الذي أُقيم في متحف الفن الحديث في نيويورك والذي وُصف بأنه أحدث "مسح للفن المعاصر الأكثر أهمية في العالم"، إذ شارك في المعرض 148 رجلًا و 13 امرأة فقط مع غياب تام للفنانين السود. و لم يكن هذا التفاوت الكبير هو السبب الوحيد الذي دفعهنَّ الى التحرك بل كانت أيضًا الكلمة التي ألقاها أمين المعرض محرضًا قويًَّا لهذه المظاهرة إذ ذكر فيها أن أي فنان لم يشارك في هذا المعرض عليه أن يُعيد التفكير في مسيرته الفنية (2,1).
وعندما فشلت اللافتات والهتافات في لفت الانتباه إلى قضيتهن؛ شكَّلت بعض المتظاهرات مجموعة كان هدفها إيجاد تقنيات جديدة لمحاربة التمييز في الفنون. قرَّرنَ تنظيم احتجاج على غرار حرب العصابات، وارتداء أقنعة الغوريلا في الأماكن العامة واعتماد أسماء مستعارة احتفاءً بالفنانات السابقات مثل فريدا كاهلو (Frida Kahlo) وكاثي كوليتز (Käthe Kollwitz) للحفاظ على سرِّيَّة هوياتهن والتركيز على القضايا، وليس على شخصياتهن الفردية، مُشكلين بذلك حركة فتيات الغوريلا Guerilla Girls (3,1).
بعد فحص وتدقيق في إحصائيات مختلف المؤسسات الفنية، كانت أعضاء المجموعة تتسلَّلن في منتصف الليل لتعلِّقن ملصقات في منطقة سوهو (Soho) حيث كانت توجد معظم صالات العرض، ملصقات تستعرض هذه الإحصائيات الصادمة وتنتقد الصالات التي كانت تعرض أعمال الفنانين الذكور فقط، كذلك كانت تلاحق النقاد ومديري المتاحف بطريقة ممنهجة، حتى وضعت عالم الفن بأكمله في حالة تأهب وأعلنت أن كافة سجلات المعارض قيد الفحص والتدقيق ويجب عليهم توضيح وتبرير ممارستهم للتمييز (1).
يسأل أحد الملصقات بصيغة ساخرة، والذي يُصوِّر لوحة جان أوغست دومينيك إنجرس (Jean-Auguste-Dominique Ingres) الشهيرة غراندي أوداليسك (Grande Odalisque) برأس غوريلا، "هل يجب أن تكون النساء عاريات لدخول متحف الميت The Met؟"، مشيرًا إلى أن أقل من خمسة في المئة من الفنانين المعاصرين كانوا من النساء، في حين أن ما يزيد على 85 في المئة من العراة في المتحف من الإناث. جسَّدت ملصقات صيغة فتيات الغوريلا الدعاية الناجحة؛ إحصائيات مذهلة ورسومات لافتة للنظر. وسرعان ما أصبحت الملصقات عناصر لهواة الجمع (2,1).
بحلول التسعينيات، كانت هذه المجموعة التي تبنَّت شعار "Fighting discrimination with facts humor and fake fur"، تنشر رسالتها من خلال اللوحات الإعلانية وإعلانات الحافلات ونشر المجلات وأعمال الاحتجاج وحملات كتابة الرسائل وجولات التحدث في الكليات والمتاحف والعروض الفنية. نشرت المجموعة أيضًا سلسلة من الكتب أحدها بعنوان "رفيق سرير فتيات حرب العصابات لتاريخ الفن الغربي The Guerrilla Girls' Bedside Companion to the History of Western Art" الذي فكَّك منظور "ييل yale القديم، الذكري Male، الشاحب Pale" في تاريخ الفن، يُعلن الكتاب هذه الحركة ومبادئها إذ يرد المقطع الآتي:
"نحن مجموعة من الفنانات والمتخصصات في مجال الفن نحارب التمييز. نحن ضمير عالم الفن، نظراء للتقاليد الذكورية لفعل الخير المجهولين مثل روبن هود وباتمان ولون رينجر. أنتجنا ما يزيد على 80 ملصقًا ومشروعًا مطبوعًا وأفعالًا تكشف التمييز الجنسي والعنصرية في عالم الفن والثقافة عمومًا.. نستعمل الفكاهة لإثبات أن النسويات يمكن أن يكنَّ مضحكات.. يمكن أن نكون أي شخص؛ نحن في كل مكان." (1,2).
وفي النهاية وسَّعت المجموعة عملياتها لتشمل هوليوود ولندن وإسطنبول وطوكيو. لم تتناول حملاتهنَّ التمييز ضد الفنانات فحسب، بل عالجت أيضًا مسائل التشرد والإجهاض واضطرابات الأكل والحرب.
اليوم هنالك ثلاث منظمات تُمثِّل إرث فتيات حرب العصابات: الأولى (Guerrilla Girls, Inc) تواصل المهمة الأصلية للمجموعة، مستعملة ملصقات استفزازية بالإضافة إلى كتب منشورة ومحاضرات متنقلة وموقع إلكتروني للحملة من أجل النسوية في عالم الفن والإعلام. والمنظمة الثانية (Guerrilla Girls on Tour, Inc)، وهي مجموعة مسرحية جماعية تؤدي المسرحيات في الشوارع والتي تناقش تاريخ المرأة والتمييز على أساس الجنس والعنصرية في عالم الفن والمسرح. والمجموعة الأخيرة (Guerrilla Girls Broadband) والتي تسمى أيضا "The Broads"، تخوض عددًا من المعارك نفسها التي خاضتها أول مجموعتين، لكنها تركز أكثر على النساء الأصغر سنًّا، والنساء ذوات البشرة الملونة، وقضايا مكان العمل، أداتهنَّ الرئيسية هي موقع الويب الخاص بهنَّ (1).
المصادر:
2. Who are the Guerrilla Girls? | Tate [Internet]. Tate. [cited 24 September 2021]. Available from: هنا
3. Guerrilla Girls | Artist Profile | NMWA [Internet]. National Museum of Women in the Arts. [cited 24 September 2021]. Available from: هنا