الفنون البصرية > فنانون عالميّون
مايكل أنجلو بيستوليتو: عندما تكون الحياة فنًّا
ولد مايكل أنجلو بيستوليتو (Michelangelo Pistoletto) _أحد أكثر الفنانين الإيطاليين المعاصرين إنتاجًا وتأثيرًا_ عام 1933 في بييلا بإيطاليا، كان والده فنانًا، فقد كان يعمل بجانبه منذ أن كان عمره 14 عامًا، وفي سن الثامنة عشر التحق بمدرسة Armando Testa للإعلان. كانت كلتا التجربتين التربويتين أساسيتين في تعليم بيستوليتو تاريخَ الفن والرسم واللون (1).
عرض بيستوليتو أعماله أول مرة في عام 1955م، وهي عبارة عن صور ذاتية نفذت في العام نفسه، وضُمنت في معرض في Circolo degli Artisti في تورين، و في عام 1956م استأجر أول استوديو خاص به؛ إذ أجرى أبحاثه الفنية، وركز أكثر فأكثر على الصورة الذاتية وإنتاج أعمال ذات تأثير مادي قوي (2). يهدف فن مايكل أنجلو بيستوليتو إلى ربط الخبرة الفنية بالحياة اليومية، مع الهدف الجمالي المتمثل في تجاوز حدود العمل لإدخال الفن في الحياة والحياة في الفن، وكان الإنسان هو محور اهتمامه رجل حديث يبحث عن البعد والفضاء (3).
Self-Portrait
في عام 1961م رسم بيستوليتو عددًا من الأعمال على مدار العام على المرايا التي تضمنت عناوينها دائمًا تعبيرَ "الحاضر" للإشارة إلى الطبيعة الآنية للعلاقة التي خلقتها هذه الأعمال بين المراقب وانعكاسه والشكل المرسوم (1)، كانت هذه الأعمال ثورية لقدرتها على فتح المنظور، ووضع المشاهد ومحيطه مباشرة في العمل (3).
Mirror Portraits
عُدَّ بيستوليتو أحد الدعاة الرئيسين لـ Arte Povera أو "الفن الفقير" (2)؛ إذ قدم مصطلحَ Arte Povera الناقدُ الفني الإيطالي جيرمانو سيلانت (Germano Celant) لوصف عمل مجموعة من الفنانين الإيطاليين الذين حاولوا إنشاء لغة نحتية جديدة من خلال استخدام مواد يومية متواضعة، وجد سيلانت فيها روحًا ثورية مشتركة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالجو السياسي الراديكالي المتزايد في إيطاليا في ذلك الوقت باستخدام مواد غير ثمينة مثل التربة والأقمشة البالية والأغصان والجرائد (4).
صنع بيستوليتو مجموعة من الأعمال التي أطلق عليها اسم (Minus Objects) أو أشياء صغيرة، باستخدام مواد بسيطة، كان كل عمل مختلفًا عن الآخر تمامًا ومتفردًا بنفسه بتعارض مع العقيدة القائلة بأن كل أعمال الفنان يجب أن تكون قابلة للتمييز من حيث الأسلوب، كما لو كانت علامة تجارية موحدة (2)، واشتهر بهذه المجموعة بالعمل خارج مساحات العرض المعتادة، ودعوة فنانين آخرين من مختلف التخصصات للانضمام إليها (1)، ففي كرة الجرائد أو الكرة السائرة (Newspaper Sphere) والتي هي عبارة كرة مصنوعة من مجموعة من الجرائد التي دُحرجت في كل شوارع تورين عام 1967م، كانت الأفكار الرئيسة الثلاث التي يريد بيستوليتو نقلها هي تعبير شامل عن التداول والتلاعب بمرور الوقت والطريقة التي يواجه بها الأحداث اليومية في حياتهم، فإذا أُلقيت كرة في شارع معين لتتدحرج بحرية بين الناس، فسوف يتفاعلون ويبدأون في اللعب بها في محاولة لدفعها نحو هدف والمحاولة في المشاركة (5).
Newspaper Sphere
كان لدى بيستوليتو شغف بالنحت منذ الطفولة، وفي سن الرابعة عشرة اشترى منحوتة خشبية قديمة، ودفع ثمنها على أقساط، وبدأ بتركيب عديد من التماثيل من مادة البولي يوريثين الصلبة، وهي مادة اختارها للسرعة التي يمكن نمذجتها بها، وهذا تنبأ بإنتاجه اللاحق لمنحوتات حقيقية في استخدام الرخام لإعادة إنتاج منحوتات البولي يوريثين على نطاق واسع، كذلك فقد استخدم البولي يوريثين والرخام معًا أحدهما فوق الآخر في مجموعة المنحوتات التي تحمل اسم The Four Seasons أو الفصول الاربعة عام 1985 .
The Four Seasons
وفي عام 2009 ابتكر بيستوليتو تركيبًا آخر تناول فيه موضوع الروحانيات والأديان التوحيدية في معبد من عمله أطلق عليه The Time of Judgment أي "وقت الحساب"، فقد جمع فيه الديانات التوحيدية الرئيسة معًا في مكان واحد: المسيحية والإسلام والبوذية واليهودية، ومُثِّل كل دين بعنصر رمزي يقع أمام المرآة: كرسي راكع وسجادة صلاة وتمثال لبوذا، وكان الشيء الغريب هو اليهودية، التي تم تمثيلها بمرآتين على شكل ألواح القانون (2).
يذكّر عنوان هذا العمل بعمل سابق له في معرض تحت اسم "الفن يأخذ على الدين" عام 1978، والذي نفّذ فيه بعدة أعمال وناقشها مع الجمهور، بما في ذلك الكتابة على الحائط "هل الله موجود؟ نعم، أنا هنا!".
مُنح عام 2003 جائزة ليون الذهبية عن إنجازات مدى الحياة في بينالي البندقية في ذلك البينالي قدّم "فرق الحب - حركة فنية لسياسة عبر البحر الأبيض المتوسط"، وهو مشروع بدأ عام 2002، كان العمل عبارة طاولة كبيرة ذات سطح مرآة على شكل حوض البحر الأبيض المتوسط، محاطة بكراسي من كل بلد من البلدان المختلفة المتاخمة للبحر، وكانت رمز بيستوليتو لتفاوت الحب في محاولة لضم ثقافات مختلفة، ليصبح وسيطًا بين الأراضي واللغات والرؤى السياسية والأديان، إذ وحد الحركة العالمية للفن مع الفكرة العابرة للحدود السياسية، وتركز نشاطها في منطقة البحر الأبيض المتوسط؛ لأنها تعكس مشكلات المجتمع العالمي (2).
Love Difference, Mediterranean Sea
رسم عام 2003 رمز الجنة الثالثة أو Third Paradise، وهي تمثل إعادة تشكيل للعلامة الرياضية إلى اللانهاية، فبين الدائرتين المتجاورتين اللتان أُخذتا للدلالة على القطبين المتقابلين للطبيعة والصنعة أدخل دائرة مركزية ثالثة لتمثيل الرحم التوليدي لإنسانية جديدة، وهو التغلب المثالي على الصراع المدمر بين القطبين في العالم اليوم، يمكننا أن نجد العمل في أي رمزية على سبيل المثال في التفاعل بين الأكسجين والهيدروجين الذي ينتج عنه الماء؛ في التفاعل بين كتل من الهواء الدافئ والبارد، مما يتسبب في حدوث العواصف الرعدية؛ في العلاقة بين الأقطاب الموجبة والسالبة التي تنتج الطاقة الكهربائية؛ في الاتحاد بين الذكر والأنثى الذي يولد كائنًا جديدًا؛ في اندماج النماذج السياسية المتعارضة للحكم المطلق والفوضى التي انبثقت عنها الديمقراطية، فالرمز يشير لعلم هو علم العلاقات والتوازنات، لكنه قبل كل شيء مبدأ الخلق (2).
ثم انتشرت الفكرة عبر العالم، واُستخدامت مواد مختلفة لتمثيل الجنة الثالثة، وهي مواد قابلة لإعادة التدوير مثل الألمنيوم والأجهزة الكهربائية المهملة والأقمشة والثياب البالية؛ إذ كانت إعادة التدوير والاستدامة البيئية قضيتان متكررتان وحاسمتان في تطوير الجنة الثالثة، وزُرع رمز الجنة الثالثة المكون من 160 شجرة زيتون في مساحة تبلغ 3000 متر مربع (2).
في 21 ديسمبر 2012، تم عقد أول عيد ميلاد عالمي، وهو احتفال بالجنة الثالثة، في وقت واحد في مجموعة من المواقع والبلدان في العالم، و منذ ذلك الوقت أصبح احتفالًا سنويًا بكل الأشكال والابتكارات، سواءً أكان تجمعًا لحشود غفيرة أم عددًا من قوارب الصيد مقابل جزر الهافانا (2).
المصادر:
2- The early works: research into the self-portrait [Internet]. Michelangelo Pistoletto. [cited 2021 Jun 10]. Available from: هنا
3- Michelangelo Pistoletto [Internet]. Castello di Rivoli. [cited 2021 Jun 10]. Available from: هنا
4- Arte Povera | MoMA [Internet]. The Museum of Modern Art. [cited 2021 Jun 10]. Available from: هنا
5- Newspaper Sphere - Michelangelo Pistoletto - Google Arts & Culture [Internet]. Google Arts & Culture. [cited 21 April 2022]. Available from: هنا