الفنون البصرية > فلسفة الفن
كيف نفهم الفن؟
مع كل عمل فني نقصد رؤيته أو نجده معلَّقًا مقابلنا نرسل بصرنا في اكتشاف جديد، هواجس فنان من بقاع مجهولة، أو رحلة داخلية إلى عالم الذات تبغي التماسًا باللاوعي بِتوق غامض إلى الأعماق يجري على سجيته دون التدخل أو الرقابة منا، أو ربما نجده مجرد صورة مؤطَّرة لا نستطيع الوصول منها إلى غاية، وهنا نتساءل ما الفن؟ وكيف نستطيع أن نفهمه؟
تعريف الفن:
أحد تعريفات الفن أنه فعل نُعبِّر عن أفكارنا وعواطفنا وحدسنا ورغباتنا من خلاله، وهو امتداد لشخصية تحاول أن تكتشف العالم لتشاركنا، إنه نقل مفاهيم حميمة لا يمكن تصويرها بالكلمات وحدها، تحمل معانٍ لا تتأطَّر ضمن حدود المادة فقط؛ فإن المحتوى الذي يرسخه في الوسائط المستعملة ليس هو الفن في حد ذاته. يمكن العثور على الفن في كيفية استعمال الوسائط، والطريقة التي يُعبَّر بها عن المحتوى (1).
لوحة The Fighting Temeraire للفنان J. M. W. Turner:
هل لا يزال الجمال في الفن؟
إذا كان الجمال نتيجة لعملية يُسعِد بها الفن حواسنا؛ فهو يظل إذن مسألة تمييز شخصي حتى لو أعقبته قوى خارجية للتأثير فيه، بعبارة أخرى، لا أحد يمكن أن يكون قادرًا على إخبار الفرد الآخر بما هو جميل وما هو غير ذلك. عالم الفن هو عالم من التوتر المستمر بين الحفاظ على الأذواق الفردية وتعزيز القبول الشعبي. بكل بساطة، الفن هو وسيلة للتعبير عن رأي أو شعور، أو لخلق رؤية مختلفة للعالم، سواء أكانت مستوحاة من عمل أشخاص آخرين أم شيء مبتكر جديد تمامًا، بينما قد يكون الجمال أي جانب من جوانب ذلك أو أي شيء آخر يجعل الفرد يشعر بالإيجابية أو الامتنان، فالجمال وحده ليس فنًّا، لكن الفن يمكن أن يُصنع من الأشياء الجميلة أو ما حولها أو من أجلها.
يمكن أن نعثر على الجمال في مشهد جبلي ثلجي، أو في الموسيقى التي تعيد تشكيل المشاهد. ومع ذلك، فإن الفن قد لا يكون إيجابيًّا؛ إذ يمكن أن يكون مؤلمًا أو حزينًا عن عمد، يمكن أن يجعلك تفكر في أشياء لا تفضلها. ولكن أيًّا ما كان يثير فينا عاطفة، فهو فن (1).
إن ضربة الفرشاة الواحدة للوحة لا تخلق وحدها تأثير الجمال، لكنها مجتمعة تصبح جميلة. الزهرة المثالية جميلة عندما تُشكِّل كل البتلات معًا كمالها، هذه الرائحة اللطيفة المُسكرة هي أيضًا جزء من الجمال، فهل يمكن عدُّ أي عمل على أنه فن؟ وهل يرتبط بالجمال؟
عندما نتحدث عن الفن قد لا نعني بالضرورة الشعور الإيجابي الذي يصلنا من العمل الفني، وإنما معايير من شأنها أن تجذبنا نحو العمل للدخول في أعماقه وتعتمد على عدة نقاط (1):
1- الملاحظة: هي عملية إدراك ذهني؛ إذ تتضمن الملاحظة تعرُّف المعلومات التي تتلقاها العين مع معرفتنا وخبراتنا السابقة وربطها من أجل خلق المعنى، وهذا يتطلب الوقت والاهتمام.
2- الوصف: قد يساعد الوصف على تحديد الأفكار وتنظيمها عما لاحظناه، وقد يكون من المفيد التفكير في الوصف على أنه إجراء جرد دقيق في ما هي الأشكال والأشياء التي تعرَّفناها. لتجريد صورة؛ من المفيد معرفة اللغة المستعملة لوصف الأعمال الفنية، واللبنات الأساسية للغة الفن تعتمد على عناصر الفن ومبادئ التصميم.
تتكون عناصر التصميم أو الفن من اللون والخط والشكل والمساحة والملمس، أما مبادئ التصميم فتتلخص بالصورة الآتية (2)، و سنتحدث عنها بالتفصيل:
تشير الحركة إلى وضع الأشياء والأنسجة التي تخلق الوهم بالديناميكية في الرسم، ومع ذلك، يمكن أن تكون الحركة إما حاضرة جدًا أو غير موجودة على الإطلاق، و هذا يعود لإرادة الفنان إذا كان لديه رغبة في خلق الحركة بعمله، ومن الضروري وجود الانسجام بين العناصر بحيث تكون كل عناصر القطعة الفنية متوازنة بعضها مع بعض، والانسجام هو أمر شخصي جدًّا، إنه يتعلق فقط بإحساسك بالسهولة عندما تتأمل العمل الفني، كذلك يخلق التمييز تباينًا في العناصر، و يجذب عينك إلى نقطة تركيز عندما تنظر إلى العمل للوهلة الأولى، فعند تأمل لوحة لغروب الشمس؛ عادة ما تكون الشمس الأصغر أفتح عند مقارنتها ببقية العناصر، وعيناك تنجذبان إلى الشمس على الفور في جو من توازن العناصر المتنوعة.
لا بدَّ للعمل الفني أن يُوحَّد في نمط معين، فإذا كانت كل العناصر في الرسم تعمل معًا؛ فإنها تنشئ قطعة موحدة ومتماسكة، يمكن رؤية النمط في طريقة التظليل، فالعناصر المظللة بطريقة متماثلة تخلق إحساسًا موحدًا بالتكرار في القطعة، وغالبًا ما تتناسق الوحدة مع الانسجام بين العناصر. أما الحركة فتتناسق مع الإيقاع، فقد تشير الحركة في العمل إلى الديناميكية بينما يُقصد بالإيقاع تدفق العناصر إليك؛ فلا تبحث كثيرًا في كيفية تحركها، ولكن كيف تتدفق إليك.
والمبدأ الأخير من مبادئ التصميم يعتمد على التناسب، فعندما تتنوع العناصر لابد من وجود تناسب بين أحجامها وبين كيفية وضعها معًا في الرسم. يمكن أن يرتبط حجم الكائنات المرسومة أيضًا بالمسافة التي توجد بها في الرسم (على سبيل المثال: الوسط والخلف والمقدمة) (3).
3- التحليل: يَستعمل التحليل التفاصيل التي حددتها في الأوصاف الخاصة بك، ويتيح سببًا لخلق المعنى؛ إذ يُعد فرصة للنظر في كيفية توافق الأشكال والأشياء والإعدادات التي حددتها في وصفك لإخبار قصة.
4- التفسير: يسمح لنا التفسير باستخلاص استنتاجات من الصورة، وذلك عندما ندمج رؤى الشكل والرموز والأفكار والمعنى معًا. كونك متعلمًا بصريًّا أو تتحدث بصريًّا يعني أنك أصبحت مدركًا لهذه العوامل وأنك قادرعلى تحدي نفسك، ليس لفهم ما تراه فحسب؛ لكن لتسأل نفسك لماذا تراه بالطريقة التي تراها (2).
في سياق المعايير التي تحدثنا عنها لنصل إلى العمل الفني نعود للحديث عن الجمال والفن، فإن تحقيق المعايير ليس من شأنه بالضرورة أن يجعلك تفهم العمل الفني أو تستسيغه، فقد ينجح الفن في تصوير أعمق المشاعر التي يقصدها الفنان، سواء أكانت جميلة ومشرقة، أم مظلمة وشريرة. لكن لا الفنان ولا المشاهد يستطيعان التأكد من نجاح التواصل في النهاية، لذا فإن الجمال في الفن سيبقى مسألة شخصية إلى الأبد.
عندما تخرج من نهر إلى جزيرة، تكون قد وصلت إلى وجهتك. وبالمثل، فإن الموقف الجمالي يتطلب منك التعامل مع التجربة الفنية على أنها غاية في حد ذاتها، أما الفن يطلب منا أن نصل خاليين من التصورات المسبقة وأن ننتبه للطريقة التي نختبر بها العمل الفني. وعلى الرغم من أن الشخص يمكن أن يتمتع بتجربة جمالية لمشهد أو نكهة أو نسيج طبيعي، فالفن يختلف من حيث إنتاجه. لذلك؛ الفن هو التذوق المتعمد للتجربة بصفته غاية في حد ذاتها. قد يحدد محتوى تلك التجربة في سياقها الثقافي ما إذا كان العمل الفني شائعًا أو مثيرًا للسخرية، مهمًّا أو تافهًا، لكنه فن في كلتا الحالتين. قد يكون الفرق الأساسي بين الفن والجمال هو أن الفن يدور حول من أنتجه، بينما يعتمد الجمال على من ينظر (1).
المصادر:
2- The Art of Seeing ArtTM [Internet]. The Toledo Museum of Art. [cited 2021 Oct 30]. Available from: هنا
3- Lesson 3: Principles of Design | [Internet]. Keele, Glendon and Markham Campus. [cited 2021 Oct 30]. Available from: هنا