الفلسفة وعلم الاجتماع > علم المنطق والأبستمولوجيا
مغالطة تسميم البئر Poisoning the Well
- متشوقة جداً لمساء هذا اليوم، سيُنشر نص لهذا الكاتب بعد طول انقطاع.
- أنصحك ألا تبالي لنصوص هذا الشخص، لقد دخل السجن مراراً، وماضيه ممتلئ بأحداث سيئة.
- وما علاقة ذلك؟ حسناً، يؤسفني إخبارك أنك بهذا الهجوم ترتكب مغالطة تسمى "مغالطة تسميم البئر Poisoning the well"، التي هي من مغالطات الحجة على الذات Ad hominem، إذ أنها بمثابة اعتداء استباقي على شخص ما من أجل التشكيك في حجته قبل الإدلاء بها، إذ لا يُستجاب لحجته لأسباب خاطئة ويقع ضحية هذا الاعتداء (1).
تسمى هذه المغالطة تسميم البئر؛ لأن تأثيرها المقصود هو تشويه سمعةِ مصدرِ الحُجة أو وجهة نظر معينة بطريقة تدحض الحاجة للنظر في هذا الموقف. أو نستطيع القول بعبارة أخرى إنَّ مُرتكب هذه المغالطة يحكم بالهلاك على الطرف الآخر، إذ لا يُنظَر في أي شيء يأتي من هذا المصدر، بسبب الخصائص الشخصية أو الدوافع الخاصة بالمحاوِر (2).
تكمن خطورة هذه المغالطة بأن أي حجة سيقدمها الشخص بعد تسميم بئره أو تشويه سمعته، ستواجه بالرفض في الغالب وتسهم في تشكيل إطار من المفاهيم يستخدمه الجمهور وحتى المُحاور لتأكيد الادعاء الواقع على هذا الشخص، الأمر الذي يجعل من الرد على مغالطة البئر المسمومة أمراً بالغ الصعوبة أحياناً، خاصة إذا كان بئرك أو حجتك هي التي طُعِن فيها وجرى تسميمها، حيث سيُنظر إلى أي رد أو هجوم يصدر منك على النقد المطروح على أنه من مصدر فاسد (2,3).
من جانب آخر، تأخذنا عدم قابلية الحجج والشروحات المُقدمة من قِبل المُحاور للجدل إلى مفهوم موجود في فلسفة العلم وهو القابلية للدحض أو التفنيد falsifiability؛ الذي كان قد وضّحه سابقًا كارل بوبر (Karl Popper 1902-1994). وفي الحقيقة هذه المسألة هي التي تُحدد الفرق بين العلم والعلم الزائف.
وفي هذا السياق نفسه، طرح الفيلسوف ديفيد هيوم (David Hume, 1711-1776) في القرن الثامن عشر هذه الإشكالية، إذ وضح أنه في حين يمكن لدليل علمي واحد دحض الفرضية العلمية، تعد العلوم الزائفة مختلفة من هذه الناحية ويمكن تأويلها بالعديد من الحجج والهجمات (3).
وبما أن الغرض من العلم هو توليد المعرفة، فإن فلاسفة العلم عادة ما يشيرون إلى الادعاءات غير القابلة للدحض على أنها إشكالية مفاهيمية وعديمة الجدوى منهجياً (3).
كان بوبر يرى أنه من الصعب إثبات صحة نظرية علمية مقابل تأويلات وادعاءات العلم الزائف، فهذه الادعاءات قد يكون من المستحيل اختبارها ومعرفة ما إذا كانت صحيحة أم خاطئة، إذ أن مسائل العلم الزائف مرنة جداً ويمكن أن تكون متوافقة مع عديد من الملاحظات والتبريرات. وهنا تظهر هذه المغالطة بوصفها إحدى وسائل التبرير السهلة (3).
أمثلة:
- كيف يمكن لشخص مثلك أن يتحدث عن التربية! أنت ضد الإنجابية ولن تكون يوماً في مثل هذه التجربة.
- لا يمكن التعويل على أي من تصرفاته وأحاديثه، لقد أمضى طفولته في مجتمع غير سوي.
المصادر:
2. Damer T. Attacking faulty reasoning. 6th ed. Belmont: Wadsworth, Cengage Learning; 2008. p. 200-201. Available from: هنا
3. Ruiz R. Poisoning the Well. In: Arp R, Barbone S, Bruce M, ed. by. Bad Arguments: 100 of the Most Important Fallacies in Western Philosophy. 1st ed. Hoboken: John Wiley & Sons Ltd; 2018. p. 196-200. Available from: هنا