الفنون البصرية > فلسفة الفن
أربعونَ ألف دولار؟ أم أربعمئة مليون؟ على أيِّ أساسٍ يُقَيَّم العملُ الفنيّ!
في عامِ 2018 م وفي شهرِ أكتوبر تحديدًا بيعت لوحةٌ بعنوان "Girl With Balloon" للفناّن بانكسي (Banksy) بمبلغٍ يُقدَّر بـِ 1.4 مليون دولارٍ أمريكيّ، لكن وبعد مضيّ ثوانٍ فقط على بيعِها، بدأت آلةُ تقطيعٍ- كانت مخبّأةً في إطار الصّورة- بتدمير الّلوحة من الدّاخل؛ إذ كان الفنّانُ قد جهزَّهذه الخدعةََ من قبل ونشرَ على الفور مقطعَ فيديو عن تلك اللحظة علىَ الإنترنت يوضّحُ كيف ثبت آلةَ التّقطيع وأعاد تسميةَ العملِ الفنّيّ بـِ "Love Is in the Bin" أي "الحبُّ في سلّةِ المهملات" (1).
تستطيعون مشاهدةَ الفيديو الذي نشَره الفنّان عبر الرّابط الآتي:
يعتقد بعضهم أنّ تلك المِزحةَ ربّما تكون ضاعفت سعرَ العملِ الفنيّ؛ إذ تقول ماري شنايدر إنريكيز (Mary Schneider Enriquez) من متحفِ هارفارد للفنون: "جعلتْ خدعتُه العملَ أكثرَ قيمة". لقد جعلني أضحكُ ضحكةً مكتومةً، وجعلني أيضًا أدركُ أنّ هناك سخافةً في عالم الفنّ هذا؛ إنّه لأمرٌ مؤلمٌ ومثيرٌ للسّخرية " (1).
كما أنّ أعلى مبلغٍ دُفع مقابلَ عملٍ لفنّانٍ على قيدِ الحياة هو للوحةِ "بورتريه لفنان" (Portrait of an Artist) للفنّان ديفيد هوكني (David Hockney) التي بيعت بمبلغ 90.3 مليون دولارٍ أمريكيّ. وفي تشرينّ الثّاني (نوفمبر) عام 2017م، حقّقتْ لوحةُ ليوناردو دافنشي (Leonardo da Vinci) "سالفاتور موندي" (Salvator Mundi)- وهي صورةٌ للسيّد المسيحِ يعود تاريخُها إلى حوالي 1500م- رقمًا قياسيًّا بلغ 450.3 مليونَ دولارٍ أمريكيّ وللأسف فإنّ مثلَ هذه الأرقامِ الخياليّةِ أبعدتِ المتاحفَ عن سوقِ المزاداتِ العلنيّة، إذ إن أغلبَ الأشخاصِ الذين يشترون هذه اللّوحاتِ الثّمينةَ لن يعرضوها للفائدةِ العامّة (1).
كلُّ تلك الأرقامِ تجعلُنا حقًا نتساءل، كيف يُقيَّم العمل الفنيّ؟ وعلى أيّ أساس؟
عند التّفكير في قيمة العملِ الفنيّ من منظورٍ تاريخيّ، تؤدي عواملُ عدّةٌ مثلُ النّدرةِ والجَودةِ والحالةِ والمصدرِ دورًا كبيرًا وكذلك يؤخذُ بعين الاعتبارالمالكُ السّابقُ للّوحة حيث أنّ سُمعتَه و شهرتَه تزيدان من قيمةِ العملِ الفنيّ وتؤكّدان على مصداقيّته وأصالته؛ إذ حققت لوحةٌ مثلُ "Salvator Mundi" ثمنًا باهظًا، لأنهّا فريدةٌ من نوعها ولأنّ الفنّانَ الرسّامَ يُعد معلّمًا عظيمًا لم يشهد العالمُ مثيلًا له (1).
كما أنّ المصالحَ الشّخصيةَ لكلٍّ من البائعِ والمشتري، والاتّجاهاتِ في السّوق تؤدي دورًا في تحديدِ المبلغِ المطلوبِ أو المعروضِ أيضًا (2). فغالبًا ما ترتفعُ قيمةُ العملِ وتنخفضُ اعتمادًا على أذواقِ الجمهورِ المختلفةِ، أو الإعجابِ من عدَمه لدى النقّادِ والخبراءِ الذين يحكمون على الأعمالِ الفنيّة.
عندما كسر الانطباعيّون التقاليدَ في القرنِ التّاسعِ عشر، وتحوّلوا من الواقعيّةِ إلى تقنيّةٍ أقلَّ تحديدًا؛ تقنيةٍ تستخدمُ ألوانًا زاهيةً وضرباتِ فرشاةٍ أكثرَ قسوةً لالتقاط الضّوءِ والحركةِ على القِماش، كان بعضُهم في القطاعِ الفنيّ مبتهجًا؛ في حين شعرَ آخرونَ بالفزع! أمّا اليوم، فإنّ عملًا للفنان كلود مونيه (Claude Monet) أو للفنّان بيير أوغست رينوار (Pierre-Auguste Renoir) يُقدّر بأعلى الأسعار (1).
كما بيّنتْ دراسةٌ حديثةٌ أجراها الباحثون أنّ عواملَ عدّةً تؤدي دورًا في تقييمِ العملِ الفنيِ كاللّون والشّكل، إذ يمكن بالفعل أنْ يكونَ لهذه العوامل قيمةٌ عاطفيّةٌ تؤثّر في قرارنا. أضف إلىَ أنَّ تقييماتِ الجمالِ والاستحسانِ أو الإعجابِ تتأثّرُ بمستوى الخبرةِ الفنيّةِ للشّخص، وبالسّياق الذي يُعرض فيه العمل الفنيّ، وهذا يتّفقُ مع النظريّاتِ التي تؤكّدُ على التّأثيرِ المعرفيِّ في فهم الفنّ (3).
تدقيق لغوي: Hadeel Idrees
المصادر:
2. How Much Is Your Object Worth? - Researching Your Art [Internet]. Smithsonian American Art Museum. [cited 12 April 2022]. Available from: هنا
3. van Paasschen J, Bacci F, Melcher D. The Influence of Art Expertise and Training on Emotion and Preference Ratings for Representational and Abstract Artworks. PLOS ONE [Internet]. 2015 [cited 26 May 2022];10(8):e0134241. Available from: هنا