غابةٌ ذكية تستحق الاستمرار في بيئة المستقبل

ظهرت الإدارة الذكية مناخياً للغابات كفرعٍ منبثق من مجال الإدارة المستدامة للغابات، ويأخذ هذا الفرع في الحسبان جهود التقليل من آثار التغيّر المناخيّ والتأقلم معها والأبعاد الاجتماعية المترتبة على ذلك، ويعمل بالتحديد على رفع قدرة الغابة على التكيّف مع الظروف المناخية المتغيّرة وحمايتها بصفتها نظاماً حيوياً متكاملاً يقدّم العديد من الوظائف كتنقية الهواء وحماية التربة وتنظيم جريان المياه والحماية من الفيضان والتصحّر وتأمين الملجأ والغذاء للعديد من الكائنات (1).

يهدّد التغيّر المناخيّ مستقبل الغابات في العالم عن طريق زيادة خطر الحرائق والجفاف والرياح الشديدة والثلوج والصقيع، إضافة إلى انتشار الحشرات والآفات. وتتفاوت شدّة هذه الأخطار تبعاً لطبيعة التغيّر المناخيّ التي تختلف تبعاً للموقع الجغرافيّ، وكذلك تختلف التأثيرات الناتجة باختلاف الأنواع الشجرية المنتشرة في الغابات (2).

ومن الجدير بالذكر أنّ تركيب الغابات واستجابتها معرَّض أيضاً للاختلاف بسبب انتشار بعض الأنواع الشجرية في مناطق معيّنة من العالم على حساب أنواع شجريةٍ أخرى. وكذلك قد تظهر بعض الأنواع الغازِية في مواقع جغرافية لم تشهدها مسبقاً (3). على سبيل المثال؛ قد يتسبّب التغيّر المناخيّ بارتفاع الحرارة ونقص كمّية الأمطار الهاطلة في موقع غابةٍ ما، مما قد يؤدّي إلى تناقص نموّ نوع معيّن من الأنواع الحسّاسة للجفاف وبدء أشجاره بالموت؛ في حين يبدأ نوعٌ آخر بالنموّ والانتشار أكثر مستفيداً من قدرته الأكبر على التحمّل وضعف المنافسة التي تفرضها الأنواع الأخرى. 

يُجري العلماء العديد من الأبحاث حول العالم لتحديد الأنواع الأقدر على مواجهة خطر التغيّر المناخيّ، ويهتمّون بالأنواع التي يمكن استغلالها اقتصادياً في إنتاج الخشب أو الغذاء، ولتحديد هذه الأنواع يمكن اتّباع عدّة أساليب منها تحليل بيانات النموّ التي تظهرها حلقات الأشجار، ونماذج المحاكاة الحاسوبية لتوزّع الأنواع الشجرية، والتجارب العملية المباشرة التي تتضمّن تعريض أنواع شجرية معيّنة لظروف جوية قاسية (4). لكن وللأسف لا يمكن تعميم نتائج معظم هذه الدراسات على منطقتنا العربية لأنها موجّهة خصوصاً لتناسب المناخ المتوقّع في المكان التي تُجرى فيه كأوروبا و الأمريكيتين وشرق آسيا. 

ليس من الحكمة ترك الغابة لمواجهة التغيّر المناخيّ دون تدخّل. فمعظم الغابات تعرَّضت لكثير من التغيّرات بسبب تدخّل الإنسان بأسلوب يُخلّ بتوازنها الطبيعيّ وقدرتها على الاستمرار دون إدارةٍ واعية ومستمرّة. وتقع على عاتق أصحاب القرار وملَّاك الغابات حول العالم مسؤولية اختيار الأنواع الشجرية الملائمة والأعمار المناسبة لتجديد وهيكلة الغابات كي تصمد في مواجهة التحدّيات التي يفرضها التغيّر المناخيّ وتستمر بتقديم خدماتها لمختلف الكائنات الحية (5).

المصادر