الفلسفة وعلم الاجتماع > أعلام ومفكرون
مقابلة حصرية مع جان بول سارتر
كان جان بول سارتر (1905-1980) Jean-Paul Sartre أكثر من مجرد فيلسوف أكاديمي تقليدي ذي شهرة فائقة، احتشد عدة آلاف من الباريسيين في محاضرته العامة، بل ارتبط اسمه ارتباطًا وثيقًا بالفلسفة الوجودية التي صنع منها اتجاهًا جديدًا. في ذكرى عيد ميلاده قابله مراسلنا ليحتفل معه وليسأله بضعة أسئلة لأجلكم..
مرحبا بك سارتر العزيز، دعنا نبدأ بأساس فلسفتك؛ ماذا تقصد بأن الوجود يسبق الماهية؟
إن هذا ما يميز الوجودية، لا يمكن إعطاء أي معنى لكونك إنسانًا؛ لأن هذا المعنى يُحدَّد في وجودك ومن خلاله؛ أي أنْ تصنع ذاتك في الموقف ممَّا يلغي وجود شيء مثل "الطبيعة البشرية" بالمعنى الأرسطي، وبذلك لا تتشكل هوية الفرد من الطبيعة أو الثقافة بل "الوجود" هو من يشكِّل هذه الهوية؛ ومن ثم فإن القيم التي تُشكِّل سلوكك تنتج عن الاختيارات التي تتخذها في حياتك (1).
وفي الوجودية كيف يكون الإنسان حرًّا؟
سابقًا كنت أعتقد أن حرية الإنسان تكون في قدرةِ وعيه على تجاوز وضعه المادي لكن البشر لا يتمتعون بالحرية إلا إذا لُبِّيت احتياجاتهم الأساسية بصفتهم كائنات عملية، وحريةُ الإنسان تكمن في قدرة الوعي على الهروب من الحاضر؛ وبذلك لا يمكن لأي إنسان عادي أن يفشل في أن يكون حرًّا (2).
وهل تأثر موقفك من الحرية بعد المتغيرات السياسية التي شهدتها؟
نعم، في أعمالي اللاحقة ونتيجة الحروب صححتُ موقفي من الحرية وصرتُ أرى أن الحرية مرادفة للاختيار مع التمييز النوعي لأنواع الاختيارات من أجل التعرف إلى ظواهر الإكراه والقهر (2).
ماذا عمَّن يرفضون الاختيار ومن ثم الحرية، أطلقت عليهم مصطلحَ سوء النية؛ ماذا قصدت به؟
تخيل معي نادلًا في مطعم، وهو يرى في ذاته أنه نادل فحسب، ويتجاهل بذلك أي حقيقة أخرى عن نفسه ويستمر في عمله مقتنعًا أن هذا هو مصيره، إن ما يفعله هو ما أسميه بسوء النية التي تُفسَّر بأنها خداعٌ للذات وهي ليست مجرد كذب على النفس بل تتعلق بالحالة الوجودية للفرد، فهي هروب من الحرية التي تُحتِّم على الشخص الاختيار ومن ثم تحمل مسؤولية اختياراته والاختباء وراء القيم المصممة والجاهزة (3).
كان لديك وقفة عند الماركسية، كيف وفَّقت بينها وبين الوجودية؟
نستطيع القول بأن أفضل طريقة لفهم المجتمعات هي أنها ساحاتٌ للصراع بين الجماعات القوية والضعيفة. وتقع مسؤولية العلل الاجتماعية الواسعة على عاتق الأفراد، وتلك هي الأصالة المتمثِّلة بتقبُّل المسؤولية عن الاختيارات التي يتخذها الفرد. وهذا جوهر الماركسية الوجودية المتمثِّلة بالفاعلية الفردية والمسؤولية الأخلاقية (2).
لا يخفى على قرَّائك مفهومُك الجديد للاغتراب/ الألينة وربطه بفلسفة الآخر، كيف تشرحه لنا باختصار؟
إن مفهوم الاغتراب بالنسبة إلي حالةٌ وجودية لا مفر منها وهي باختصار أن يكون الفرد "الآخر" لنفسه، يعني وجود الآخرين في هذا العالم أنني لست كاشفًا لهذا العالم فحسب، بل أنا شيء يُكشَف عنه عند الآخر، في حين أني منغمس في العالم ولكن أدرك نفسي على أنني "خارج" وأني مجرد جزءٍ من العالم عندما تغزو ذاتيةُ شخص آخر شخصيتي (1,2).
في نهاية لقائنا بك، كيف تنصح أن يبدأ القرَّاء بأعمالك؟
أهم نصيحة أن لا يبدؤوا بكتابيَّ الوجود والعدم ونقد العقل الجدلي، اتركوهما حتى تصبحوا مُلمِّين أكثر بالوجودية نفسها وبأفكاري عمومًا، لذا؛ يمكنهم البدء بمجموعة محاضراتي المعروفة بكتاب الوجودية مذهب إنساني وبأعمالي المسرحية بالتأكيد.
ما الأسئلة التي تودون أن نطرحها عليه أيضًا؟!
المصادر:
2. Heter S. Sartre’s Political Philosophy [Internet]. Internet Encyclopedia Philosophy. Available from: هنا
3. Correya S. Not Just Lying to Oneself: An Examination of Bad Faith in Sartre. Journal of Indian Council of Philosophical Research [Internet]. 2021 [cited 15 June 2022];38(1):103-121. Available from: هنا