الفنون البصرية > عالم السينما والتلفاز
لماذا نحب أفلام الرعب؟
تقول بعض النظريات إنه يجب أن يحتوي على وحش يكون مصدر تهديد إما بسبب شكله، وإما ماهيته، وإما أسلوبه، أي إنه لا يشترط أن يكون الوحش غير بشري ليصنف الفيلم رعبًا، وهذا واضح كما في أفلام (Psycho) للمخرج (Hitchcock)، و(Silence of the Lambs) للمخرج (jonathan demme)، ففي هذه الحالات يمتلك الإنسان نوعًا من قوى خارقة، أو غير طبيعية..
مثال: شخصية هانيبال من الفيلم السابق قادر على قراءة العقول، وقادر على تنفيذ عمليات هروب مستحيلة (1).
إن استخدام كلمة فيلم رعب لم يكن موجودًا حتى ثلاثينيات القرن الماضي، وفي هذه الفترة بدأت شهرة نجوم الرعب (دراكولا مثالًا)، والجدير بالذكر أن هذه الأفلام تعرضت في بدايتها لمقاطعة كبيرة (2). أما أول فيلم رعب فقد كان من إخراج الإخوة لوميير (The Lumiere Brothers) عام 1855/1856 بعنوان "وصول القطار إلى محطة لاسوتات" (L’arrivée d'un train en gare de la Ciotat) الذي يصور وصول قطار إلى المحطة، وأدى ظهوره مواجهًا للكاميرا إلى خوف الجمهور من أنه قد يخرج من شاشة السينما (1).
إضافة إلى التأثير البصري والحواري (الديالوج)، أحد أهم عناصر فيلم الرعب هو السمع، وذهب البعض إلى القول بأن الرعب قائم على التأثيرات السمعية (مثل صوت صرير الباب، الصراخ، هسيس القطة، صوت البومة، رنين الهاتف، تكسر الأغصان في غابة هادئة… إلخ) التي تجعل المتفرجين خائفين ومتأهبين.
أحد أكثر الأساليب السمعية نجاحًا وشيوعًا في الرعب هو استخدام صوت العالي بعد فترة صمت طويلة -ما يسمى بـ "الخوف من القفز"، وغالبًا يكون الصوت غير متصل بما يعرض على الشاشة، ولكنه قد يكون مترافقًا مع عملية كشف، مثال: (عندما تدخل شخصية حمامًا بمرآة وتغلق الباب ترى انعكاساً لشخص خلفها يترافق مع موسيقى عالية أو ضوضاء) (1). وتشير الأبحاث إلى أن الأنماط المختلفة للموسيقى يمكن أن تؤثر في الإدراك العاطفي لما يُشاهد في الفيلم، بغض النظر عن المحتوى (3).
ارتباطنا بالرعب:
أحد الأغراض الرئيسية لفيلم الرعب هو إثارة الخوف، ولطبيعة الخوف ومسبباته تاريخ طويل في علم النفس، وقد اقترحت نماذج مختلفة التي حاولت تفسير سبب خوفنا، إذ إن الخوف مرتبط بغريزة "البقاء على قيد الحياة"، فتوجد بعض المحفزات التي تسبب لنا الخوف لأسباب تطوري -التي سبق أن عرضتنا للخطر، أو سببت الموت، هذه المحفزات والمواقف قد اختبرها البشر "ما قبل التطور التكنولوجي"، ومن ثمَّ طورنا نزعة تطورية للاستجابة لها بالخوف (3).
أحد أكثر أنواع الرهاب شيوعًا هو رهاب العناكب، وكانت العناكب عنصرًا أساسيًّا في أفلام الرعب منذ خمسينيات القرن الماضي، على الرغم من أن 0.1-0.3 ٪ فقط من أنواع العناكب سامة ومن الصعب جدًّا تجنب الخوف المشروط بالعناكب، وهناك محفزات أصبحت مشروطة بالخوف بسبب اجتماعي أو معرفي (على سبيل المثال: الامتحانات، أو الحضور في مجموعات اجتماعية غير مهددة حقيقية)، لا تشكل المنبهات الأخيرة تهديدًا جسديًّا فوريًّا وحقيقيًّا للبقاء (أي إنها ليست قاتلة) (3).
ومن الناحية العصبية من المحتمل أن تكون اللوزة الدماغية متورطة في ردود الأفعال المتعلقة بالرعب (كالتمتع به) (3).
النظريات المتعلقة بمشاهدتنا أفلامَ الرعب:
وفقًا للأستاذ مالكوم تروفي (malcolm turvey)، فإن نظرية "الوحش في داخلنا" هي النظرية الأكثر شيوعًا؛ إن الجزء غير الواعي المقموع من كل إنسان هو في الحقيقة متوحش وأن القشرة الجيدة هي بالحقيقة رقيقة جدًّا وتحتها يقبع وحش -وفقًا لهذه النظرية وعلى الرغم من أننا لا نوافق بوعينا الحاضر على ما يفعله الوحش- فإن جزءًا عميقًا في داخلنا يستمتع برؤية القتل والفوضى التي يطلقها الوحش لأنه لو كان باستطاعتنا فعل ما يفعله لفعلنا (1)، ولكن لا يستمتع الجميع بأفلام الرعب مما يشير إلى وجود عوامل اخرى.
فمن الممكن كذلك أننا نستمتع بالتماهي مع شخصية البطل التي تحارب الوحش، وقد لا نؤيد أفعال الوحش ولكن مع ذلك نجدها آسرة، فيمكننا القول إن عملية اكتشاف الوحش، ودوافعه، وقواه، ونقاط ضعفه، ومن أين أتى تمتّعنا (1,3)، ومع نهاية الفيلم يُحَلُّ التهديد وينتهي الشعور السلبي متحولًا لنشوة، وإذا لم ينتهِ التهديد بنهاية الفيلم، فسيزداد الإحساس بعدم الارتياح، وإذا انتهى بنهاية غير معروفة تمامًا، ولكن محتومة فهذا سيولد الشعور بالرهبة (3).
نظريات أخرى تذهب إلى القول بأن التشويق الناتج عن الخوف هو الذي يدفعنا للمتابعة وخاصة للأشخاص الباحثين عن هذا النوع من الإثارة -وهم نفسهم الذين تغريهم أنواع رياضات مثل القفز بالمظلة-، وكذلك مشاهدة هذا النوع من الإثارة، وإثارة هذا النوع من الانفعالات دون وجود عواقب لاحقة قد تكون للبعض ممتعة إلى حد كبير (1).
وهناك نظرية أخرى تقول بأن أفلام الرعب تحتوي على عديد من التمثيلات الرمزية لمخاوف حقيقة (مثل فرانكشتاين الذي يرمز إلى قدرة العلم على تغيير الطبيعة تغييرًا جوهريًّا، ونرى في فيلم get out معالجة لمخاوفَ اجتماعية وعرقية حقيقية أيضًا، مما يجعلنا على تواصل مباشرة مع مخاوفنا). بهذه الطريقة يعالج صناع أفلام الرعب قضايا واقعية معالجة مختلفة (1).
السمات الشخصية المشتركة لمشاهدي الرعب:
حاولت بعض الأبحاث دراسة نوع الفرد الذي يستمتع بالرعب ويحبّه، وكانت بعض السمات الشخصية المشتركة بينهم هي:
البحث عن الإحساس: وهو البحث عن الإحساسات وخبرات متنوعة وجديدة ومعقدة ومكثفة، والاستعداد لتحمل مخاطر جسدية واجتماعية وقانونية ومالية من أجل مثل هذه التجارب -يبلغ ذروته في سن المراهقة ثم ينخفض بعد ذلك-، هؤلاء الأشخاص سيختبرون مشاعر إيجابية كبيرة عند التعرض لمثل هذه الإثارة والتحفيز. يتأثر البحث عن الإحساس بأربعة عوامل رئيسية وهي مرتبة من الأكثر إلى الأقل تأثيراً: تفريغ الكبت، البحث عن التجارب الجديدة، البحث عن الإثارة والتشويق (وجد أنها أقوى عند الرجال منها عند النساء)، سرعة الضجر (3).
التعاطف: وهو مفهوم متعدد الأبعاد، وأحد النماذج يشير إلى أن التعاطف يشمل: الخيال الحالم (الميل إلى التخيل، وأحلام اليقظة بمواقف خيالية)، والتورط الخيالي (تحويل الذات إلى قصة)، والعقلية الإنسانية (الرغبة بالرخاء العاطفي للآخرين)، والعدوى العاطفية (القابلية للتأثر بالعواطف المحيطة)؛ وجود هذه المكونات يتنبأ إن كان الشخص يستمتع بفيلم الرعب أم لا (كلما انخفضت كل ما مال الشخص للاستمتاع بفيلم الرعب أكثر). (3).
الحاجة إلى التأثر (need for affect) أو NAF: سألت إحدى الدراسات 119 شخصًا (متوسط العمر 23 عامًا) في سينما ألمانية عن مدى احتمالية مشاهدة فيلم United 93 (فيلم دراما)، أو إعادة إنتاج فيلم الرعب The Omen، رغِب المشاركون ذوو الـ NAF الأعلى بإعادة إنتاج فيلم الرعب، ولكن العلاقة بين NAF والرغبة بمشاهدة الرعب لم تُدرس منهجيًّا إلى الآن (3).
الجنس البيولوجي: تأثيره واضح على تفضيل أفلام الرعب، فالرجال والفتيان يستمتعون بالمواد المرئية المخيفة والعنيفة أكثر من النساء والفتيات، فقد طلبت دراسة من 36 طالب و36 طالبة جامعية مشاهدة أفلام الرعب (Nightmares, Nightmare on Elm Street)، بوجود رفيق من الجنس الآخر في العمر نفسه في أثناء الفيلم استمتع الرجال بالرعب أكثر ووجدوه أقل مللًا وأكثر إرضاءً وخوفًا من النساء، فإن النساء عمومًا ترين هذه الأفلام أكثر إزعاجًا من الرجال (3).
اقتُرحت إحدى التفسيرات لهذه النتيجة عن طريق نظرية التنشئة الاجتماعية بين الجنسين، إذ يُنشَأ الأولاد والرجال اجتماعيًّا على عدم الخوف وعدم إظهار الخوف، في حين أن الفتيات غير مقيدات بهذه التنميطات ويمكنهن التصريح عن اشمئزازهن وحساسيتهن، ولكن لربما يكون تفسير كهذا محصورًا في زمنه؛ بمعنى أنه من غير الواضح ما إذا كانت هذه المواقف لا تزال موجودة حتى الآن في نهاية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين (3).
عدَّت النساء الأفلام التي تضم ضحايا من النساء أعلى في المحتوى العنيف منها في الأفلام التي تصور الضحايا من الذكور، وعُثِر على النمط المعاكس عند الرجال (3).
تذهب أبحاث أخرى إلى التصنيف تصنيفًا آخر، فصُنِّف المشاهدون ودوافعهم للمشاهدة إلى ثلاثة أنواع: أولًا- معرفة كيف ستنتهي القصة، ثانيًا- مشاهدو التشويق، وثالثًا- مشاهدو سفك الدماء (3).
النوع الأول: يتمتع بفيلم بإغلاق مُرضٍ ونهائي، يستمتع النوع الثاني بالخوف والتعاطف مع الشخصيات الرئيسية، أما النوع الثالث يشاهدون لأنهم يستمتعون بالتدمير في الفيلم (3).
من التنبؤات التي يمكن إجراؤها من هذا التصنيف، أن الراغب بمشاهد الإثارة سيكون لديه مستويات أعلى من التعاطف والبحث عن المغامرة، في حين أن الراغب بمشاهد سفك الدماء سيكون ذو تعاطف وخوف منخفض ولكنه سيكون عالياً في البحث عن المغامرة وسوف يبحث عن الإثارة العالية، وتشير الأبحاث إلى أنهم فضوليون بشأن الطرق التي يُقتل بها الناس -وهم في الغالب رجال- وهم يتماهون مع القاتل باحتمالية أكبر من التماهي مع الضحية (3).
التأثيرات السلبية المحتملة:
في حين أن استجابة الشخص العادي لفيلم الرعب هي الخوف والقلق، فقد اقترحت بعض الدراسات أن التعرض لأفلام الرعب يمكن أن يؤدي إلى إجهاد عصبي غير طبيعي يتطلب تدخلًا من قبل طبيب نفسي، وهي حالة تسمى (cinematic neurosis) الإضراب العصبي السينمائي (3).
ندرة الدراسات في هذه الحالات -سبع دراسات فقط- يشير إلى أن سلوك الأفراد ينشأ بسبب أسباب لا علاقة لها بفيلم الرعب، وأن فيلم الرعب كان محفزًا لإثارة أمراض كانت موجودة بالأصل، التي كان من الممكن أن تُكشف من قبل أية عوامل محفزة أخرى (3).
فقد وصف أربعة بالغين أصيبوا بتوتر غير طبيعي خلال يوم واحد من مشاهدة الفيلم؛ أبلغ المشاركون عن الأرق، والاستثارة، وفرط النشاط، والتهيج، وانخفاض الشهية، اختفت الأعراض بعد سبع جلسات من العلاج النفسي (3).
أبلغ هاملتون (1978) عن حالة امرأة شابة شاهدت The Exorcist وظهرت "بقلق حاد ومتواصل وخوف منتشر من أن تكون وحيدة خاصة في الليل" ورفضت الذهاب إلى العمل. شعرت أن "الشيطان كان في بنت صغيرة" و "حلمت بالشيطان وفي فمه قضيب" (3).
وفقًا للمؤلفين، فإن جميع حالات "الإضراب العصبي السينمائي" التي راجعوها تضم أفرادًا عانوا مؤخرًا فقدانًا (أو خسارة محتملة) لأحد أفراد الأسرة الذين كانوا يكنون له مشاعر متناقضة، كان لدى الأفراد مُثُل دينية أو ثقافية قوية أيضًا، وقد ظهر أن للأفلام بعض المعاني الشخصية للأفراد (3).
إن ندرة مثل هذه المشاعر الشديدة التي تتطلب تدخلًا نفسيًّا تشير إلى أن فيلم الرعب، وعلى الرغم من تصميمه لإثارة الخوف والذعر، فإنه لا عواقب طويلة المدى له يمكن أن تضعف الوظيفة العقلية والاجتماعية والمهنية للفرد العادي (3).
المصادر:
2. How Horror Movies Have Changed Since Their Beginning | Student Resources [Internet]. Nyfa.edu. 2015 [cited 9 March 2022]. Available from: هنا
3. Martin GN. (Why) Do You Like Scary Movies? A Review of the Empirical Research on Psychological Responses to Horror Films. Frontiers in Psychology [Internet]. 2019 [cited 30 June 2022];10:2298. Available from: هنا