الغذاء والتغذية > التغذية والأمراض
التوحد والتغذية
التوحد وعلاقته بالغذاء:
يعرف اضطراب (طيف التوحد - /Autism spectrum disorder /ASD) أنه اضطراب نمو عصبي ينتج عنه ضعف في المهارات الاجتماعية والتواصل غير اللفظي وتكرار سلوكيات معينة (1).
مع عدم توفر علاج لهذا الاضطراب، يُركز على تحسين المهارات كالتواصل والسلوك، وعادة ما تكون مترافقة بالعلاج الغذائي؛ إذ إنه غالبًا ما يعاني الأشخاص المصابون نقصًّا في بعض العناصر الغذائية بسبب تجنبهم الطعام أو نفورهم منه، وهذا النقص ينجم عنه مشكلات صحية معينة، فقد يقلل نقص الكالسيوم والبروتين نموَ الدماغ والعظام وقوة العضلات مما يؤثر بدوره في الإدراك والتوازن والقوة البدنية (1).
لفهم مبدأ التدخلات الغذائية العلاجية الممكنة، من المهم دراسة أسباب الاضطرابات في وظائف المخ وتطوره قبل بدء أعراض اضطراب طيف التوحد:
1- اضطرابات الجهاز الهضمي:
أظهرت الدراسات أن 70% من الأطفال المصابين بالتوحد لديهم تاريخ من شكاوى الجهاز الهضمي، وأن أعراض الجهاز الهضمي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بخطورة التوحد، وتشمل سوءَ الامتصاص وسوء الهضم ونموًّا جرثوميًّا زائدًا (فطريًّا أو بكتيريًّا وفيروسيًّا)، ونفاذية معوية غير طبيعية (2).
2- اضطراب في النفاذية المعوية:
لوحظ أن النفاذية المعوية عالية إلى حد غير طبيعي لدى الأطفال المصابين بالتوحد، وتنص نظرية فائض المواد الأفيونية على أن الأطفال المصابين بالتوحد يعانون أعراضًا بسبب زيادة الببتيدات، المشتقة داخليًّا وخارجيًّا من الهضم وتفكك بعض الأطعمة غير الكامل؛ كالغلوتين والكازيين. ربما بسبب نقص إنزيم الببتيداز (1,2).
3- اضطرابات التمثيل الغذائي (الاستقلاب):
يعاني عديد من الأطفال المصابين بالتوحد اضطراباتٍ استقلابيةً تشمل اضطراب الإجهاد التأكسدي واضطراب تركيز الأحماض الأمينية في البلازما والاستقلاب غير الطبيعي للكبريتات وغيرها من الأمور التي تؤثر سلبًا في أعراض المرض (2).
4- هضم وامتصاص الكربوهيدرات:
على الرغم من أن دورها في المشكلات العصبية والسلوكية لا يزال غير مؤكد، فقد أظهرت الخزعات المعوية المأخوذة من الأطفال المصابين بالتوحد ضعفَ المسار الأولي لهضم الكربوهيدرات ونقلها في الخلايا المعوية ما يسبب انخفاض هضم وامتصاص الكربوهيدرات لذلك تتراكم السكريات في تجويف الأمعاء؛ إذ يؤدي إلى الإسهال الاسموزي وانتفاخ البطن (2).
5- التهاب الأمعاء:
يؤدي الالتهاب المزمن في الأمعاء إلى إتلاف طبقة الخلايا الظهارية، مما قد يفسر زيادة نفاذية الأمعاء عند مرضى التوحد (2).
التدخلات الغذائية:
- (الحمية الخالية من الغلوتين والكازئين - Gluten-Free and Casein-Free diets GFCF): تشمل استبعاد الأغذية الحاوية على الغلوتين (هو مزيج من البروتينات في القمح ومعظم الحبوب) واستبعاد الأغذية الحاوية على الكازئين (هو بروتين في منتجات الألبان)، وقد استخدمت لسنوات عدة للمساعدة على تخفيف أعراض التوحد. وسبب اللجوء إلى هذه الحمية هو آثار (الببتيدات الأفيونية - Opioid peptides) والمورفينات الببتيدية (نواتج هضم الكازئين والغلوتين في الأمعاء) التي تفاقم أعراض المرض؛ إذ لا بد من مراعاة أن يتناول المريض كمية كافية من المغذيات في الأطعمة المستبعدة (1).
- (حمية الكيتو - Ketogenic diet): هو نظام غذائي غني بالدهون والبروتينات منخفض الكربوهيدرات مما يجعل الجسم يستخدم الدهون بوصفها مصدرًا أساسيًّا للطاقة؛ إذ أظهر أن اتباع هذه الحمية نتائج إيجابية خاصة في حالات المرض المتوسطة، فقد أدت إلى تحسن الوظائف الإدراكية ووظائف القياس والكلام والسلوك الاجتماعي، لكن ما زال هناك تخوف من آثار هذه الحمية مثل نقص بعض العناصر الغذائية (1).
- (البروبايوتيك - Probiotics): البروبايوتيك هي كائنات دقيقة حية تمنح فائدة صحية للمضيف عند إعطائها بكميات كافية. النظرية الأولى لسبب فعالية البروبايوتيك هي نظرية المواد الأفيونية الزائدة، فقد تساعد على استقلاب منتجات الغلوتين دون أن تسبب أذية للأمعاء، كذلك تمنع تسربَ الببتيدات وتقوية الحاجز الدماغي الدموي. هناك نظرية أخرى تعتمد استخدام البروبايوتيك لتقليل إنتاج السموم الداخلية التي من شأنها تقليل التهاب الأمعاء ونفاذيتها ومنع قدرة هذه السموم على التأثير في الجهاز العصبي المركزي، وقد أظهرت هذه النظرية ارتباطًا بتحسن الحالة المزاجية والسلوك العام للمرضى (1).
- المكملات الغذائية (بعض الفيتامينات والعناصر المعدنية): إن المصابين بالتوحد يعانون نقص في بعض الفيتامينات (B12, B9, B6)، وأظهرت بعض الدراسات أن مستويات فيتامين C المرتفعة قد تكون مفيدة كونها تُخفض الإجهاد التأكسدي. مع الإشارة إلى أن استخدام مكملات فيتامين B6 والمغنزيوم لم تكن مفيدة في تحسين أعراض المرض (1).
- (الحمية محددة الكربوهيدرات - /The Specific Carbohydrate Diet /SCD): تهدف إلى تقليل أعراض سوء هضم وامتصاص الكربوهيدرات ونمو البكتيريا المعوية المسببة للأمراض عن طريق الحد من تناول السكريات المعقدة (كالنشا والمالتوز واللاكتوز..) والاعتماد على السكريات البسيطة الأحادية كالجلوكوز والفركتوز، بما في ذلك الفواكه والخضروات والعسل وبعض البقول والمكسرات واللحوم والبيض والابتعاد عن البطاطا والحبوب ومعظم منتجات الألبان والسكر والأطعمة المصنعة (1).
- (الأحماض الدهنية غير المشبعة - Polyunsaturated fatty acids PUFAs): تعد عاملًا أساسيًّا في الحالة الطبيعية لنمو الدماغ وتطوره وتدخل في عديد من المجالات من تكوين الذاكرة والوظيفة المعرفية وقد أجريت عديد من الدراسات على (حمض الأراشيدونيك - Arachidonic acid (ω-6)) و(حمض إيكوسابنتاينويك - Eicosapentaenoic acid ω-3) و(حمض الدوكوساهيكسانويك - Docosahexaenoic acid ω-3). لوحظت نتائج مشجعة للاعتماد على هذه الأحماض الدسمة؛ إذ تحسن فرط النشاط لدى الأطفال المصابين (1).
(الحمية الشخصية المخصصة للتوحد - personalized diet in autism):
لعقود من الزمن استخدمت الدراسات الطبية المعلومات التي حُصل عليها من تحليل الاستقلاب (الأيض) في التشخيص والعلاج، وقد أظهرت دراسة اضطرابات الاستقلاب أهمية كبيرة في تشخيص السرطانات العصبية وغيرها (3). وتتطلب الدراسات التي تجرى على الحميات الشخصية المخصصة مزيدًا من البحث، لكن لوحظ أنها ضرورية ومفيدة، وهي تعد مسألة من اختيار الوالدين الذين يريدون تحسين حياة أطفالهم؛ إذ إن تصميم الحمية حسب حالة الفرد عوضًا عن إتباعه حمية عامة (3).
وعلى الرغم من أن معظم الدراسات تشير إلى إمكانية عد التدخلات أو الحميات الغذائية المساعد الأول للعلاجات المعتادة (كالسلوك أو النطق...)، فما زالت غير كافية بسبب قلة عدد العينات المدروسة غالبًا، فما ينفع مجموعة من الأفراد المصابين قد لا ينفع مجموعة أخرى. لهذا لا بد من الاستمرار في البحث والتجربة للوصول إلى نتائج حتمية، وإلى ذلك الحين لا بأس في دعم حمية مرضى التوحد بالأغذية الطازجة والابتعاد عن الأغذية المصنعة والسكر، والحرص على حصولهم على أكبر قدر ممكن من المغذيات اللازمة (3).
إعداد: Lina Shaheen
المصادر: