عجز الموازنة العامة؛ آراء الاقتصاديين عنها

تختلف آراء الاقتصاديين حول عجز الموازنة بين مؤيدين للموازنة المتوازنة وفوائض الموازنة، وبين مؤيدين للعجز. سنتعرف في هذا المقال على آراء الاقتصاديين حول عجز الموازنة والجدل القائم حوله وكيف يمكن معالجة عجز الموازنة، لكن يجب أولًّا أن نعرف ما الموازنة الحكومية ومتى يحدث عجز في الموازنة.

تشير الموازنة الحكومية إلى عملية تنبؤ تقوم عن طريقها الحكومة بوضع الإنفاق المخطط له والإيرادات المتوقعة لفترة زمنية محددة، غالبًّا ما تكون الفترة التي تغطيها الموازنة سنة وتعرف باسم السنة المالية (1).

يحدث عجز في الموازنة العامة عندما تتجاوز نفقات الحكومة إيراداتها، وعندما يحدث العكس وتتجاوز الإيرادات النفقات وتزداد الأموال التي يمكن تخصيصها حسب الرغبة؛ فنقول إن هناك فائضٌ في الموازنة، أما في الحالات التي تتساوى فيها النفقات مع الإيرادات تكون الموازنة متوازنة (2). وحتى إن أوائل القرن العشرين كان معظم الاقتصاديين والمستشارين الحكوميين يفضلون الموازنات المتوازنة أو فوائض الموازنات، لكن مع الثورة الكينزية وبروز الاقتصاد الذي يحركه الطلب، أصبح من المجدي سياسيًّا للحكومات أن تنفق أكثر مما تكسب، وأصبحت الحكومات تزيد إنفاقها العام اعتمادًّا على الاقتراض بصفته جزء من السياسة المالية المستهدفة (3). حول هذا الموضوع ينقسم الاقتصاديين إلى مؤديين للموازنة المتوازنة أو فوائض الموازنة الذين يروا أنه من الضروري العمل على معالجة العجز والسعي لتحقيق فائض، وبين مؤديين لعجز الموازنة. ويبقى النقاش القائم بين الاقتصاديين فيما إذا كان يجب إعطاء توازن الموازنة أهمية ومعالجة العجز أم لا؟ 

يستند مؤيدو الموازنة المتوازنة الى فكرة أن العجز يثقل كاهل الأجيال القادمة بديون لا يمكن تحملها، وأنه يجب على الحكومة أن توازن إنفاقها مقابل الدخل المتاح المتوقع مع مرور الوقت، وإلا فإنها ستواجه خطر الإفلاس، وتضطر الى تمويل انفاقها بديون. ويتفق معظم الاقتصاديين أن عبء ديون القطاع العام قد يشكّل خطرًّا على الاقتصاد، وأنه في النهاية لخدمة هذا الدين يجب زيادة الضرائب أو زيادة المعروض النقدي أي تخفيض قيمة العملة، مما ينتج عنه ضرائب مرتفعة وتضخم مفرط يعطل الاقتصاد بأكمله (1). ويرى أنصار الموازنة المتوازنة أن العجز هو ادخار عام سالب؛ إذ يقلل الادخار القومي (إذ إن الادخار القومي هو ادخار عام وخاص) ويؤدي انخفاض الادخار القومي إلى ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية وانخفاض الاستثمار مما يؤدي إلى انخفاض رأس المال، الأمر الذي يخفض من إنتاجية العمالة ويخفض الأجور الحقيقة ويقلل إنتاج السلع والخدمات في الاقتصاد (4).

فيما يرى الكينزيون مؤيدو عجز الموازنة أن تشغيل فوائض الموازنة لا يحظى بشعبية سياسية، على الرغم من أنه قد يكون من المفيد للحكومات أن تحتفظ بالفوائض في حالة تراجع الإيرادات الضريبية، لكنه حسب رأيهم يجب ألا تسعى الحكومة لتحقيق الأرباح. ويقول الكينزيون أن الطلب ينخفض في أثناء الانكماش الاقتصادي أي أنه ينخفض الناتج المحلي الإجمالي، لكن يمكن استخدام التمويل بالعجز لتعويض النقص في الاقتصاد وتحفيز إنفاق القطاع الخاص عن طريق ضخ الأموال في القطاعات الرئيسة للاقتصاد. ويرى الاقتصاديون الكينزيون أن الميزانية المتوازنة تمثل تخلي الحكومة عن واجبها في استخدام السياسة المالية لتوجيه الاقتصاد وأن عجز الموازنة يخدم غرضًّا قيمًّا، وأن الاستدانة لتمويل العجز والإنفاق ومخاطر الديون المفرطة أمرٌ يستحق المخاطرة، على الأقل في المدى القصير (1). ويرى مؤيدو العجز انه هناك حالات خلال التاريخ كان فيها العجز مبررًّا، كالحروب على سبيل المثال؛ إذ كانت الحرب السبب الأكثر شيوعًّا لزيادة النفقات، فعندما يحدث صراع عسكري يتطلب انفاقًّا زائدًّا، فانه من المنطقي أن تقوم الحكومة بالاقتراض لتمويل هذا الانفاق، والا فانه يجب على الحكومة أن ترفع الضرائب كثيرًّا خلال زمن الحرب، إضافة الى ارتفاع معدلات الفائدة، الأمر الذي سيكون غير عادل بالنسبة للمواطنين الحاليين أن يقوموا بالتضحية لضمان الأمن والحرية ليس فقط لأنفسهم، بل من أجل الأجيال المستقبلية أيضًّا (4).

يُتَحَكَّم بالعجز عن طريق السياسة المالية التي تشمل الإنفاق الحكومي والضرائب. والسياسة المالية قد تكون انكماشيًّة أو توسعيًّة. فعن طريق السياسة التوسعية يمكن للحكومات الإنفاق بما يتجاوز قيود الموازنة القائمة على الضرائب عن طريق اقتراض الأموال من القطاع الخاص، فمثلًّا تصدر الحكومة الأميركية سندات خزانة وتبيعها لجمع الأموال، وهذه السياسة تؤدي الى تفاقم العجز، أما السياسة الانكماشية فتتمثل بتخفيض الإنفاق الحكومي وزيادة الضرائب، وتساعد هذه السياسة مساعدًّة كبيرًّة في تخفيض التضخم وتقليل العجز أو زيادة الفوائض (3).

المصادر: