الغذاء والتغذية > التغذية والأمراض
مرض الكبد الدهني غير الكحولي عند الأطفال وعلاقته بالتغذية
يُعدّ مرض (الكبد الدهني غير الكحولي - /Non-Alcoholic Fatty Liver Disease /NAFLD) أكثر أمراض الكبد المزمنة شيوعًّا عند الأطفال؛ إذ يرتفع انتشاره مع ارتفاع معدلات زيادة الوزن والسمنة. ويؤثر أيضًا في أعضاء أخرى غير الكبد، وله تأثير طويل المدى في الصحة يمتد إلى مرحلة البلوغ وقد يسبب وفيات كثيرة (1). من الناحية التشريحية يتميز بتراكم الدهون في أكثر من 5% من خلايا الكبد (تنكّس دهني في الكبد) في تقنيات التصوير أو خزعة الكبد لدى الأفراد الذين يستهلكون قليلًا من الكحول أو لا يتناولون الكحول، وليس لديهم عوامل أخرى منافسة لتنكّس الكبد، مثل التهاب الكبد الفيروسي وتعاطي المخدرات والتهاب الكبد المناعي الذاتي ومرض ويلسون ومرض الاضطرابات الهضمية وغيرهم) (2).
ما مسببات المرض؟!
- البدانة: التّراكم المفرط للأنسجة الدهنية هو نتيجة اختلال طويل الأمد في الموازنة بين مدخول الطاقة وإنفاق الطاقة. عادًّة ما يخزن كمية الطاقة الزائدة في الأنسجة الدهنية، مما يؤدي إلى تضخّم والتمايز بين الخلايا الليفية في الخلايا الدهنية والخلايا الشحمية الناضجة. عندما تضعف قدرة التخزين المؤقت للأنسجة الدهنية، قد يحدث تراكم للدهون في أعضاء مختلفة، بما في ذلك الكبد، مما يعزز في النهاية إنتاج عديد من الخلايا الدّهنية و(السيتوكينات - cytokines) المحفّزة للالتهابات، مما يؤدي إلى تضرر في الكبد وغيره (3).
- مقاومة الأنسولين: مقاومة الأنسولين في الأنسجة الدهنية تعني أن الأنسولين لا يستطيع مقاومة تحلل الدهون المحيطية مقاومًّة فعالًّة، لذلك؛ يزداد تدفق الأحماض الدهنية إلى الكبد تدفقًّا ملحوظًّا، مما يؤدي إلى تراكم الدهون الكبدية وزيادة إنتاج الغلوكوز، الذي يؤدي بدوره إلى تفاقم مقاومة الأنسولين الكبدي مع زيادة تدهور إنتاج الغلوكوز الكبدي والتمثيل الغذائي (3).
- التغذية:
- الرضاعة الطبيعية: للتغذية دور رئيس في التسبب بالـNAFLD لدى الأطفال في مرحلة مبكرة جدًّا من الحياة. ومن المعروف أن الألف يوم الأولى من الحياة (من الحمل حتى عُمر السنتين) هي فترة مهمة جدًّا؛ إذ هناك بعض عوامل الخطر التي قد تسهم في تطور السمنة لدى الطفل كوزن الأم قبل الحمل وداء السكري لدى الأمهات. وللرضاعة الطبيعية دورٌ وقائيٌ في تطور السمنة في مرحلة الطفولة والبلوغ؛ إذ تبين أن الرضاعة الطبيعية مدة 6 أشهر على الأقل تقلل خطر الإصابة بـ NAFLD في مرحلة المراهقة (3).
- الكربوهيدرات: ترتبط زيادة تناول الكربوهيدرات البسيطة بزيادة خطر الإصابة بالـNAFLD، وتشير الدلائل إلى أن تناول الفركتوز العالي يزيد تكوين الدهون في الكبد، ويحفز عامل نمو الخلايا الليفية ويقلل أكسدة الدهون الكبدية ويزيد الإجهاد التأكسدي، مما قد يؤدي إلى تطوير الإصابة بهذا المرض وزيادة تكوين تليف الكبد. ومن المهم التأكيد على أن تناول الفركتوز في شكله الأساسي (كما في الفواكه) لا يرتبط بخطر الإصابة بالسمنة أو NAFLD (3).
- الدهون: تؤدي زيادة تناول الأحماض الدهنية المشبعة طويلة السلسلة (SLCFAs) في الأطعمة الحيوانية إلى خلل في الميتوكوندريا وزيادة الإجهاد التأكسدي، وتؤثر سلبًا في مقاومة الأنسولين. على العكس من ذلك، فإن زيادة تناول الأحماض الدهنية الأحادية غير المشبعة أو الأحماض الدهنية المتعددة غير المشبعة (PUFAs) قد تقلل تراكم الدهون الكبدية والالتهابات لدى كل من الأطفال والبالغين (3).
- البروتينات: قد يؤدي تناول كميات كبيرة من البروتين إلى زيادة أكسدة الأحماض الدهنية الكبدية وإفراز الأحماض الدهنية من الكبد، وقد تنتج (الأحماض الدهنية المشبعة قصيرة السلسلة - SCFAs) عن تخمر البروتين في الأمعاء إضافة إلى مُستقلبات معوية أخرى كالأمونيا والفينولات والأحماض الدهنية متفرعة السلسلة، التي تعدّ ضارة لكل من سلامة الحاجز المعوي والصحة الأيضية (3).
- جراثيم الأمعاء: ترتبط بالسمنة وبعض الأمراض المصاحبة المرتبطة بها. خصوصًّا؛ فقد ثبت أن التغيرات في محور الأمعاء والكبد مرتبطة بـNAFLD، مما يدعم أن هناك علاقات متبادلة وثيقة بين الأمعاء والكبد. قد يتسبب النظام الغذائي والمغذيات الكبيرة بإحداث تغييرات في ميكروبيتا الأمعاء بشكل أو بآخر في أثناء الطفولة والبلوغ (3).
يمكننا تلخيص العلاج باتباع النقاط الآتية:
- النشاط البدني: أظهرت دراسات مختلفة أن ممارسة الرياضة وخصوصًّا التمارين الهوائية أو تمارين المقاومة التي تزيد عن 60 دقيقة ولأكثر من 3 مرات في الأسبوع، قللت محتوى الدهون في الكبد وحسنت صحة القلب والأوعية الدموية والقوة العضلية (1).
- تعديل النظام الغذائي: كونه عاملًا أساسيًّا للإصابة بهذا المرض، والتدخل الغذائي هو أحد الأركان الأساسية للعلاج. يعدّ فقدان الوزن أهم خطوة لتحسين صحة الكبد، وذلك عن طريق اتباع نظام غذائي منخفض الكربوهيدرات أو نظام غذائي منخفض الدهون، وحتى يمكن اتباع النظام الغذائي المتوسطي (1).
- المكملات الغذائية: لم تثبت أي أدوية مختبرة أنها فعالة تمامًا في علاج NAFLD عند الأطفال، لذلك ليس هناك تدخل دوائي موصى به، لكن يوصى ببعض المكملات الغذائية كخيارات علاجية (2)، إليكم أمثلة عنها:
- فيتامين E: كان أحد أوائل مضادات الأكسدة التي أوصيّ بها للعلاج، نظرًّا لدوره الأساسي الذي يؤديه الإجهاد التأكسدي في التسبب في تلف الكبد الناجم عن NAFLD (2).
- فيتامين D: أظهر استخدام مكملات (حمض الدوكوساهيكسانويك - Docosahexaenoic acid (DHA))؛ إضافة إلى فيتامين D للأطفال الذين يعانون زيادة الوزن مع نقص فيتامين D و NAFLD تحسنًا في مقاومة الأنسولين.. (2).
- الأحماض الدهنية غير المشبعة: أظهرت عديد من البيانات أن النظام الغذائي الذي يفتقر إلى الدهون المتعددة غير المشبعة كان مرتبطًا بمرض NAFLD في البالغين والأطفال، ولوحظ ارتباط مكملات PUFA-omega 3 ( وخاصة DHA و (حمض إيكوسابنتاينويك - Eicosapentaenoic acid (EPA))، بتحسين التنكس الدهني الكبدي ونسبة الدهون ومقاومة الأنسولين (2).
- الكولين: ضروري لتكوين غشاء الخلايا الثديية ويسهم في إفراز الكبد للكوليسترول؛ إذ ارتبط انخفاض استهلاك الكولين بتراكم الدهون الكبدية وزيادة التليف وتغيير تركيبة الغشاء، مما سمح للسيتوكينات أو السموم الداخلية البكتيرية والمنتجات بدخول الخلايا الكبدية وتحفيز حدوث التهاب الكبد الدهني غير الكحولي والتليف. إن مكملات الكولين مع DHA وفيتامين E قللت التنكس الدهني وخفضت مستويات الجلوكوز (2).
- البولي فينولات: هي مركبات مشتقة من النباتات ولها خصائص مضادة للأكسدة ومضادة للالتهابات. ارتبط استهلاكهم المنتظم بتقليل خطر الإصابة بعدد من أمراض التمثيل الغذائي، وقد تكون خيارًا لعلاج NAFLD والمضاعفات المرتبطة به (2).
- (البروبيوتيك - Probiotics): يعدّ النمو الزائد للبكتيريا المعوية الصغيرة وزيادة نفاذية الأمعاء وخلل التّنسّج المعوي من العوامل الرئيسة في هذا المرض، وأظهرت كمية هائلة من البيانات زيادة في نفاذية الأمعاء في مرضى NAFLD، مما سمح بوصول عديد من المواد المحفزة للالتهاب إلى الكبد الذي عزز تطور الضرر. أظهرت بعض الدراسات نتائج مشجعة عن فعالية وسلامة استخدام البروبيوتيك في علاج NAFLD لدى الأطفال (2).
الوقاية من مرض NAFLD في الأطفال تشبه الوقاية من السمنة؛ إذ تعتمد على اتباع نمط حياة صحي، بما في ذلك اتباع نظام غذائي صحي، وتجنب تناول كميات كبيرة من السكريات الحرة، وممارسة التمارين الرياضية، والحصول على النوم الكافي، ومع ذلك قد يكون ضورويًّا اللجوء إلى التدخلات الدوائية والمكملات الغذائية أو الدمج معها، نظرًا لصعوبة الامتثال لتغييرات نمط الحياة (1).
واحد من اتجاهات البحث المستقبلية الرئيسة في مجال NAFLD هو استخدام أحدث تقنيات تسلسل الجيل القادم مثل RNA- seq لتحديد الجينات في شبكة البيولوجيا المرضية الرئيسة والمسار المسهم في تطوير التنكس الدهني الكبدي، وبدء الالتهاب والتليف الكبدي، والانتقال إلى التهاب الكبد الدهني غير الكحولي، والتقدم إلى تليف الكبد وسرطان الخلايا الكبدية. ويمكن استخدام نتائجها من أجل التشخيص الصحيح والمبكر للمرض، وإعداد نظام غذائي محسّن وشخصي للوقاية المبكرة والعلاج الغذائي (4).
المصادر: