كتاب > معلومة سريعة
رواية كتبت برمش العين اليسرى "بذلة الغوص والفراشة"
"مشلولًا من الرأس إلى أخمص القدمين، يُسجن المريض داخل نفسه بروح سليمة ورفيف جفن أيسر صالح لجميع أنواع الاتصال" (1).
متلازمة المنحبس هي المعاناة التي عبّر عنها كاتب رواية بذلة الغوص والفراشة Jean-Dominique Bauby 1952-1997 في سطور روايته التي حصدت نسبة مبيعات عالية في أوروبا؛ إذ بيعت منها ملايين النسخ، ناقلًا لنا حالته بعد تلك الفاجعة التي حصلت له يوم الجمعة 8 كانون الأول (ديسمبر) عندما أصيب بجلطة دماغية جعلت منه جسدًا مشلولًا بالكامل، ولا يستطيع سوى الرمش بعينه اليسرى الوحيدة.
يسرد لنا وقائعَ أيامه في المستشفى الموصوفة بالمعاناة من انعدام قدرته على التواصل مع الآخرين على نحو صحيح وتجنبه سوء فهم مقصده والأسر الذي كان يخنقه مراقبًا الأجواء حولَه بمشاعر استياء من بعض الممرضين وضجيج المرضى الآخرين، فكل ما كان يملكه للترويح عن نفسه هو عقله اليقظ الذي كان بمنزلة بذلة غوص استطاع من خلالها البقاء على قيد الحياة.
إضافة إلى مختصة النطق (الممرضة ساندرين) التي وصفها بالملاك الحارس استطاعت تعليمه لغة التواصل الجديدة، وقد أتاحت له التعبيرَ عمّا يجول في خاطره، كما نقلت كلماتِه على الورق بحرص وأمانة.
وقد بدا في أثناء سرد تفاصيل روايته ساخرًا من وضعه وحالته التي جعلت رجلًا في الأربع والأربعين من عمره غيرَ قادر على أداء مهامه وحده بل بحاجة للرعاية كالطفل الرضيع الذي يُحمم ويقلّب ويُمسح عنه الأوساخ ويقمط مثل الرضيع ثم ينقلونه لسريره.
معبرًا في بعض فصوله أيضًا عن مشاعره الحزينة من خلال حديثه عن زيارة طفليه ووالدتهم فقد عدَّ موعدَ زيارتهم إجباريًّا في رزنامتهم العاطفية لإثبات أن هذا الظل أو بضع أب كما وصف نفسه لا زال أبًا فقط، ممزقًا من الداخل بين مشاعره المختلطة اتجاههم.
"أصبحت بذلة الغوص أقل ضيقًا، ويمكن للروح أن تتسكع مثل فراشة، هنالك الكثير لأفعله، يمكن أن أطير في الفضاء أو عبر الزمن أن ارتحل إلى أرض النار أو فناء قصر الملك ميداس..." (1).
لا يموت الإنسان ما دام يملك مخيلة تتيح له التحليق بعيدًا عن واقعه وعدم الاكتفاء بالنظر لآلامه بقلة حيلة، وهذا ما قام به جان بوبي حين استخدم مخيلته على نحو مميز.
استعاد الذكريات وسافر إلى أماكن لم يقم بزيارتها من قبل.
حررته من جسده ومكانه القابع في المستشفى الخانقة للأنفاس ذاكرًا لنا كل تلك الرحلات التي عاشها والتي تخيّلها ببراعة.
توفي جان دومينيك بوبي بعد يومين فقط من نشر روايته التي تطلبت منه ما يقارب 200 ألف رمشة لإنجازها، لكن هذه الرواية جعلته على قيد الحياة كاشفة لنا ذكائه وصبره، وصموده الطويل دون أن يستسلم لحالته اليائسة تاركًا أثرًا ودرسًا لنا عن كيف يمكن للإنسان التغلب على ظروفه السيئة برمشة عين واحدة يتيمة فقط (2).
إعداد: Ranim Tabbaa
المصادر:
2. KRUTT H. [Internet]. Off the shelf. 2018 [cited 22 May 2022]. Available from: هنا