الفنون البصرية > مدارس الفن
النغمية الفنية
تعود أصول هذا التوجه الفني إلى أوائل سبعينيات القرن التاسع عشر، عندما بدأ الفنان جيمس ماكنيل ويسلر (James McNeill Whistler) باستعمال مصطلحات موسيقية مثل "الموسيقى الليلية" لتسمية أعماله الفنية، في هذا الوقت بدأ ويسلر بالنظر إلى اللوحات على أنها مقطوعات موسيقية؛ فرتب الألوان كما يسجل الملحن سلسلة من النوتات الموسيقية.
اشتُهر الأسلوب بسرعة، وبحلول تسعينيات القرن التاسع عشر استُعمل مصطلح "مدرسة تونال Tonal أو النغمية Tonalism" لوصف الفنانين الذين ركَّزوا على اللوحات اللونية المشابهة؛ إذ بدأ عدد من الاتجاهات الفنية بالتقارب وتشكيل الحركة التي ستُعرف لاحقًا باسم النغمية (Tonalism) بما في ذلك نموذج مدرسة باربيزون (Barbizon)؛ كما هي موضحة في أعمال جورج اينيس George Inness، والحركة الجمالية والمطبوعات الخشبية اليابانية؛ المنعكسة في أعمال جيمس أبوت ماكنيل ويسلر James Abbott McNeill Whistler، والرمزية؛ التي احتضنها ألبرت بينكهام رايدر Albert Pinkham Ryder، مثَّلت هذه العناصر الثلاثة المتميزة ثلاثة مناهج مختلفة والتي أصبحت موحدة من خلال اهتماماتها الأسلوبية المتعلقة بالرسومات الانطباعية والتناغم اللوني الوثيق (1).
هنا;
*لوحة Sunset للفنان الأمريكي Charles Melville Dewey.
طور النغميُّون نظريات اللون والخط المستوحاة من التراكيب الموسيقية التي اعتقدوا أنها تزيد من الإمكانات الرمزية لرسم المناظر الطبيعية، حاذين بذلك حذو فناني مدرسة نهر هدسون؛ إذ قاموا بإعادة ترتيب عناصر العالم المرصود من أجل نقل التناغم الموسيقي والمرئي على نحو أفضل.
هيمنت التصويرية على التصوير الفوتوغرافي في أواخر القرن التاسع عشر؛ وهي حركة روجت للتصوير الفوتوغرافي بصفته فنًّا تشكيليًّا من خلال تأكيد الاحتمالات اللونية لكشف الصور وتطويرها وطباعتها.
كانت لوحات الألوان الهادئة والتأثيرات الانطباعية للوحات النغمية نموذجًا مناسبًا وسرعان ما أثَّرت في المصورين المشهورين مثل كلارنس هدسون وايت (Clarence Hudson White) وإدوارد شتايسن (Edward Steichen) وألفريد ستيجليتز (Alfred Stieglitz)، كذلك كانت اللوحة النغمية شائعة في مطلع القرن العشرين وذلك بالتزامن مع تقدير متجدد لموضوعات القرن السابع عشر ذات الألوان الداكنة لفيلاسكيز (Velázquez) ورامبرانت (Rambrandt)، واستمرت الحركة بين عامي 1870 و 1915م، وكان مقرها في الغالب في الولايات المتحدة وكان هناك أيضًا صعود في الحركة النغمية الأسترالية في العقد الأول من القرن الماضي، وكان رائدها الفنان الأسترالي دنكان ماكس ميلدرم (Duncan Max Meldrum).
تؤكد إطلالات كلاريس بيكيت (Clarice Beckett) الخلابة على الساحل وضواحي المدينة في عشرينيات وأوائل ثلاثينيات القرن العشرين الموجودة ضمن معرض ميستي موديرنز (Mitsy Moderns) مكانةَ بيكيت بصفتها واحدة من أعظم فناني الحركة؛ هذه الفنانة التي نُسيت لما يزيد على 30 عام، كذلك لم يُعترَف بها بحق على أنها واحدة من أعظم رسامي المناظر الطبيعية الأسترالية في القرن العشرين إلا في الآونة الأخيرة (2).
تجاوزت بيكيت نظام الرسم الخاص بميلدرم وحولته إلى أسلوب توقيع أثيري خاص بها يتميز بأسلوب رائع في التصميم والشعور بالألوان، تعرض أمثلة مختارة بعناية في لوحاتها من أكثر المناظر الطبيعية إشراقًا وأقل حدًّا لها مثل عربات الترام العابرة وسيارات الأجرة في أوائل الثلاثينيات في مجموعات أنيقة يتردد صداها بشكل جماعي وتشكل تسليط الضوء على هذا المعرض (2).
هنا;
.Clarice Beckett للفنانة Collins Street, evening لوحة*
لم يركز الفنانون النغميون على إنشاء لوحات دقيقة تمامًا ولم يركزوا على سرد القصص أو الأفكار، بل كانوا يؤمنون بـ "الفن من أجل الفن"؛ إذ تميل اللوحات النغمية إلى أن يكون لها صفات معينة مثل جو مزاجي ودرامي، وتركيز قوي على الطبيعة مع استعمال فرشاة فضفاضة، ونقص في التفاصيل، واستعمال مجموعة ألوان صامتة مثل الأصفر الباهت، والأخضر، والرمادي، والبرتقالي، والبني، وتباين قوي بين الضوء والظلام أو المشبع والباهت؛ وذلك يكون عادة للفت الانتباه إلى مصدر الضوء في اللوحة وعدم وجود أي معنى أو رواية (3).
هنا;
*لوحة Harvest Scene in the Delaware Valley للفنان Inness George.
إن لوحة جيمس ويسلر (James Whistler) المعروفة باسم "أم ويسلر" تُعد واحدة من اللوحات الأيقونية؛ وهي عبارة عن صورة للتوازن والشدة الحازمين، ودراسة الألوان في ظلال معدلة بدقة من الأسود والرمادي، يشير العنوان بمفرداته الموسيقية إلى أن ترتيب النغمات والأشكال كان موضع اهتمام أساسي عند ويسلر.
في هذه اللوحة تجلس المرأة بشكل أساسي وتحدق إلى الأمام مباشرة، ويداها مطويتان ممسكتان بمنديل أبيض، وقدماها تستريحان على مسند للقدمين، تنقل المرأة إحساسًا باليقظة والراحة الذاتية؛ هنا نشهد تطور أسلوب النغمية مع نظام الألوان أحادي اللون الذي يعرض درجات اللون الرمادي، من الرمادي المخضر في الأرضية إلى الرمادي الداكن في الستارة، مع خطوط عريضة باللونين الأسود والرمادي تتناقض مع النمط الأسود والأبيض غير المتماثل للستارة على الجانب الأيسر من الإطار.
في حين استوحى النغميون من التأليف الموسيقي فإن أعمالهم أثرت أيضًا في الملحِّنين؛ إذ كان لهذه اللوحة تأثير عميق في كلود ديبوسي (Claude Debussy)، الذي وصف تركيبته الموسيقية الهادئة (1899) بأنها المكافئ الموسيقي؛ لما ستكون عليه دراسة باللون الرمادي في الرسم. أصبحت اليوم هذه الصورة جزءًا من الوعي الثقافي (1).
هنا;
* لوحة Whistler's Mother للفنان James Whistler.
في عام 1910م كتب الناقد الحداثي ساداكيشي هارتمان (Sadakichi Hartmann) "النغمية هي المثل الأعلى للرسام الحديث الأعلى طموحًا، إنه المخضع الأقوى لكل تناقضات الفن الحديث".
قرابة عام 1915م تلاشت النغمية من الشعبية واستُبدلت بمقاربات أكثر تجريدية للحداثة على الرغم من أنها مارست تأثيرًا مستمرًا، لا سيما بين الفنانين والمصورين في دائرة ستيغليتز، بما في ذلك المصور بول ستراند Paul Strand، والرسامين مارسدن هارتلي Marsden Hartley، وجون مارين John ،Marin وجورجيا أوكييف Georgia O'Keeffe، هناك عدد من الأسباب المعقدة التي ساهمت في تهميش النغمية وبالتأكيد طغت أنواع أكثر عصرية، مثل الرسم السردي ورسم المناظر الطبيعية المضاءة بنور الشمس على خصائصها المتواضعة جذريًا، ومع ذلك ربما كان من أكبر الأضرار ارتباكها مع تقليد الفن الغربي الطويل للرسم اللوني (1,2).
كان لـويسلر Whistler تأثير واسع النطاق في عدة أجيال من الفنانين، في كل من الولايات المتحدة وأوروبا، بما في ذلك والتر سيكرت (Walter Sickert)، وجون سينغر سارجنت (John Singer Sargent)، وويليام ميريت تشايس (William Merritt Chase). أثَّر تبسيطه للعناصر لإنشاء فن موحي ومثير للذكريات في الانطباعيين أيضًا، ولا سيما إدغار ديغا (Edgar Degas)، وكلود مونيه (Claude Monet)، كما أثَّر أيضًا في الحركة الرمزية.
المصادر: