الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة اليونانية
هل نرتكب الخطأ جهلًا أم عمدًا؟!
"يرى معظم الناس أن المعرفة هي دون قوة أو سلطة، ويمكن أن تتغلب عليها مشاعر الغضب والألم واللذة، أو حتى الحب والخوف، هل تتفق مع ذلك بروتاغوراس؟ أو أنك ترى أن المعرفة قوة وجمال، وأنه لا توجد قوة على وجه الأرض يمكنها أن تجبر إنسانًا على فعل الخطأ طالما أنه يعرف الفرق بين الخطأ والصواب؟" مقتطف من محاورة بروتاغوراس للفيلسوف اليوناني أفلاطون بتصرف (1).
ما أكثر ما نتعرض في حياتنا إلى أشخاص مخطئين، ونعزو خطأهم إلى قلة معرفتهم ووعيهم، ونقول لأنفسنا: "لو كانوا يعرفون الصواب لما ارتكبوا الخطأ"، فهل تترتب المسؤولية الأخلاقية على المعرفة فقط؟ أم أن الإرادة -فاضلةً كانت أم فاسدة- هي النقطة الفارقة في الحكم على الأفعال؟
يوجد شِبْه إجماع بين الباحثين على معنى مقولة سقراط: "المعرفة هي الفضيلة"، في أن معرفة طبيعة الفضيلة تؤدي بالضرورة إلى سلوك فضيل، ويمكن أن تعني مقولته أن معرفة كيفية فِعْل الفضائل، تجعل الإنسان فضيلًا (1).
وفي المحاورة يقول سقراط المفارقة الآتية: (No one errs knowingly)، بمعنى"لا يخطئ أحد وهو عارف بخطئه"، أي إنه عندما يخطأ شخص ما، يعود فشله في فعل الصواب إلى خطأ معرفي، إذ إنه لا يعرف ما الصواب الواجب فعله، ولو أنه كان يعرف الصواب لفعله (2).
أو من الممكن فَهْم المفارقة بنحو آخر، فعندما يتصرف الإنسان بطريقة يُناقض فيها حكمه الصائب، فهذا يدل بالضرورة على أنه لا يعرف حقًّا كيف يعيش على نحو صحيح (1). لذا لا يمكن أن يعرف الشخص الصواب ثم يفعل الخطأ، ولو أنه ادَّعى معرفة الصواب وارتكب الخطأ رغم ذلك، فإنه واهم بأنه يعرف الصواب فعلًا (2).
ويرفض سقراط بذلك إمكانيةَ ارتكاب الخطأ عن عمد، ويرى أن الطغاة والعتاة هم أضعف الناس لأنهم لا يعرفون ما يريدون. ففي حين أن البشر لا يرغبون سوى بفعل ما هو جيدٌ ومفيد، لا يفعل الطغاة أيًّا منهما، وبسبب كَوْن إرادة الطغاة فاسدةً بسبب الجهل، فإن نتائج هذه الأفعال سوف تضر به لاحقًا، وذلك بعكس الإرادة المبنية على المعرفة (2).
وتؤدي هذه المفارقة السقراطية دورّا في فلسفة الأخلاق؛ إذ انقسم الفلاسفة على إثرها إلى فريقين، ويقود أفلاطون الفريق الأول بناءً على أن المفارقة أساسٌ لمعرفة طبيعة الخير وارتباطه الضروري بالمعرفة وفق أسسٍ عالمية صالحة على الدوام (3).
في حين أن أرسطو يمثِّل فريقًا ذا طموحات متواضعة وغير مثيرة للجدل، ويتعامل مع كل سؤال أخلاقي بعينه، ويحاول الإجابة عنه دون تعميم، ويسعى إلى التأكيد على أهمية اختيارات الإنسان وتفضيلاته ومشاعره في التأثير في قراره بفعل الخير (3).
هل برأيك -صديقنا- أننا نستطيع تجاوز هذا الخلاف بين مدرستي الأخلاق، وأن نجمع بين جنون أفلاطون المثالي، وعقلانية أرسطو البشرية؛ لنستطيع رؤية الحياة كاملة من منظار سقراط؟
المصادر: