الفلسفة وعلم الاجتماع > علم الاجتماع
الوجه الآخر لاستضافة الفعاليات الرياضية الكبرى
"تتمتع الرياضة بالقدرة على تغيير العالم، فلديها القدرة على الإلهام وتوحيد الناس وتتحدث إلى الشباب بلغةٍ يفهمونها؛ إذ إنها قد تخلق الأمل حين لا يكون هناك سوى اليأس" (1). بهذه العبارة، لخص (نيلسون مانديلا) أهمية الرياضة في حياة الأفراد والشباب والمجتمع كاملًا.
وعلى الرغم من أن الرياضة لم تُذكر في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 بصفتها حقًّا أساسيًّا من حقوق الإنسان تحديدًا، فينبغي عدّها مكونًا ضمنيًا لمختلف الحقوق المذكورة، إذ إنها تندرج تحت حرياتٍ أخرى كحرية التعبير الثقافي وتكوين الجمعيات والترفيه، وعُدَّت في السنوات اللاحقة وسيلةً لتحسين المستوى المعيشيّ وتعزيز السلام، وأدرجتها بعض المنظمات على أنها حق أساسي للجميع أيضًا (1).
لكن منذ دورة الألعاب الأولمبية في بكين عام 2008، برزت قضايا حقوق الإنسان في أثناء الفعاليات الرياضية بروزًا متزايدًا لجذب انتباه العالم لانتهاكات حقوق الإنسان في البلدان المستضيفة لهذه الفعاليات (2).
وتنوعت هذه الانتهاكات شاملةً جوانب عدة من جوانب المعيشة للشعوب في البلدان المستضيفة، فعلى سبيل المثال، وفي خضم التحضيرات للفعاليات الرياضية -خصوصًا الكبرى منها- سُجلت عديد من حالات الإخلاء القسري في بعض المناطق بسبب المشروعات التوسعية المتعلقة بالحدث الرياضي كفتح الطرق وبناء الملاعب؛ إذ اضطرت عائلات كثيرة لترك منازلها قسريًّا، وذلك كما حدث في كأس العالم في جنوب أفريقيا عام 2010 (1).
وارتبطت الفعاليات الرياضية الكبرى بانعدام حرية الرأي والتعبير في كثيرٍ من البلدان المُضيفة كتعليق الحقوق القانونية والاجتماعية المهمة جزئيًّا أو الخوف من التعبير بسبب العواقب السلبية (2)، إضافة الى زيادة الرقابة على وسائل الإعلام وارتفاع حالات القمع السياسي الذي حدث في مونديال روسيا 2018 والألعاب الأولمبية في بكين 2008 (3).
ومن أهم الانتهاكات التي يُشار إليها في هذا النوع من الفعاليات هي انتهاكات حقوق العمال، فعلى الرغم من توفر فرص العمل الجديدة بسبب الحاجة إلى بناء مرافق رياضية ومشروعات البنية التحتية في الدول المضيفة؛ فقد كان هناك قلقٌ وانتقاداتٌ عديدةٌ بشأن ظروف العمل القاسية والاستغلالية والخطيرة التي يواجهها العمال -خاصةً المهاجرون- في كثير من الأحيان؛ إذ يمثل العدد المرتفع للحوادث والوفيات مؤشرًا مهمًّا للممارسات الاستغلالية (1).
على سبيل المثال، وفي أثناء التحضيرات لمونديال قطر 2022؛ تبين للعمال الأجانب -الذين يُجلَبون بسبب أجورهم المنخفضة- أنهم في علاقات عملٍ استغلاليةٍ، فبموجب نظام الكفالة، لا يمكن للعامل الحصول على تأشيرته لدخول البلاد والعمل إن لم يكن برعاية كفيل. ونتيجةً لذلك، فإن الوضع القانوني لهؤلاء العمال في قطر يعتمد اعمادًا كليًّا على صاحب العمل. ونظام الكفالة مسيء للغاية؛ ذلك أن مغادرة قطر أمر مستحيل لدى العامل دون إذن صاحب العمل أو إذن السلطات القطرية. ومن الشائع أيضًا أن يصادر الكفلاء جوازاتِ سفر العمال. وعانى العمال المهاجرون ظروفَ عملٍ قاسية -خصوصًا في مجال البناء- مع ساعات العمل الطويلة في ظل درجات الحرارة القصوى والأجور المنخفضة أو أنه ليس هناك أجور إذا قرر صاحب العمل اقتطاع أجزاء كبيرة من الراتب، والتأخير في دفع الرواتب والأذى الجسدي والنفسي وظروف السكن المزرية (4).
هذه الانتهاكات المذكورة أعلاه كانت جزءًا من انتهاكات عديدة أخرى لم تُسرد بالتفصيل، كالفساد السياسي والاتجار بالبشر ودعم طبقات نخبويةٍ على حساب الطبقات التي تحتاج الدعم فعلًا (3).
برأيك؛ هل تبرر العوائد الاقتصادية الضخمة والكم الهائل من فرص العمل -التي تتوفر في أثناء التحضيرات لاستضافة الفعاليات الرياضية- انتهاكاتِ حقوق الإنسان والعمال في هذه الدول، أم أن النمو الاقتصادي لهذه البلدان بعد الاستضافة قد يُعوّض عن هذه الممارسات الاستغلالية؟
المصادر:
2. McGillivray D, Koenigstorfer J, Bocarro JN, Edwards MB. The Role of Advocacy Organisations for Ethical Mega Sport Events. Sport Management Review. 2022;25(2):234–253. Available from: هنا
3. McGillivray D, Edwards MB, Brittain I, Bocarro J, Koenigstorfer J. A conceptual model and research agenda for bidding, planning and delivering major sport events that Lever Human Rights. Leisure Studies. 2019;38(2):175–190. Available from: هنا
4. Regueiro R. Shared responsibility and human rights abuse: The 2022 World Cup in Qatar. Tilburg Law Review. 2020;25(1):27–39. Available from: هنا