نصْب ضحايا الهولوكوست في برلين.. جولةٌ في ذاكرة الناجين

يٌعرَف النصْب التذكاري لقتلى اليهود في أوروبا من قِبَلِ معظم سكان برلين بـ(ذكرى مِحرقة اليهود)، وقد افتُتِحَ في شهر أيار (مايو) في عام 2005، ويقع قرب بوابة براندين بورغ ويُعدُّ واحدًا من أكثر الأماكن السياحية المثيرة للإعجاب في المدينة (1).

جرى في أواخر الثمانينات تقديم طلبٍ لبناء نصْبٍ تذكاريٍّ ليهود أوروبا، واستمر النقاش حول مكان النصْب التذكاري ورسالته وشكله إلى ما يقارب عقدًا من الزمن (1)، وفي ربيع عام 1995؛ أعلنت إدارة المجلس في برلين عن أول مسابقةٍ فنيةٍ  قُدِّمَ فيها 528 عملًا، وفي عام 1997 صُمِّمَ هذا المشروع من قِبَلِ المهندس المعماري الأمريكي "بيتير أيزنبارغ" الذي فاز بالمشروع بعد سلسلةٍ من المنافسات والخلافات حول التصميم المناسب لمثل هذا النصْب التذكاري، وفي حزيران (يونيو) 1999؛ قرر البوندستاغ الألماني بناء وإضافة "مكانٍ للمعلومات" إلى النصْب التذكاري (1). 

ينشأ تصميم المشروع من هيكلٍ ذي شبكةٍ صارمةٍ ومرتبةٍ مؤلفةٍ من 2,711 لوحًا (شاهدة) من الخرَسانة؛ يتراوح عرض كلٍّ منها 59 سم، وطولها 2.375 سم؛ مع ارتفاعٍ قد يصل إلى أربعة أمتار، وتتباعد هذه الشواهد عن بعضها بعضًا بمقدار 95 سم للسماح فقط لشخصٍ واحدٍ بالمرور عبر الشبكة (2).

يمكن الدخول  لأرض المشروع من جميع الجوانب (1)، ويُحدَّد كل لوحٍ بتقاطعاتٍ تنتج من خطوط سياق الشبكة التخطيطية لبرلين، ويحدث انزلاقٌ طفيفٌ لبنية الشبكة مما يؤدي الى التسبب في مساحاتٍ غير متساويةٍ ومنها تتجمع هذه المساحات وتضيق وتتعمق لتخلق تجاربَ عدةً في نقطةٍ واحدةٍ (2).  

إن فكرة الألواح الممتدة ضمن شبكةٍ متعرجةٍ تنتج عن أسلوب تفاعل هذين النظامين اللذين يخلقان مساحةً من عدم الاستقرار بينهما، وإن عدم الانتظام هذا يظهر بقوةٍ على تضاريس أرض المشروع (2)، وتختلف الهياكل الخرَسانية الفردية عن بعضها بعضًا فقط في الارتفاع وتخلق نمطًا متموجًا اعتمادًا على موقعها (1).

وهكذا ينتج الأختلاف الفهمي والإدراكي بين التضاريس الواقعة على أرض المشروع والسطح العلْوي من الألواح، ويدل هذا أيضًا على اختلاف التوقيت، وإن إظهار النصْب لهذا الاختلاف أعطى تجربةً للزائر بالضياع والتأمل والتفكير (2). 

يضم "مكان المعلومات" الواقع تحت حقل توزع الألواح الفنية  قاعاتٍ من المعارض توثق مصائر اليهود والاضطهاد والإبادة (1). 

يمكنك في مِساحةٍ تبلغ 800 مترٍ مربعٍ العثور على معلوماتٍ عن الضحايا وأماكن وجودهم، ويتكون هذا المكان من أربع غرفٍ يُتعامَل مع الهولوكوست من منظورين تاريخيٍّ وشخصي، والغرف ذات الطابع الخاص مثل غرفة الأبعاد، وغرفة الأسر، وغرفة الأسماء وغرفة المواقع، مع مصائر الأفراد الذين لقوا حتفهم في المِحرقة بالصور والمذكرات وخطابات الوداع، وتتحدث السير الذاتية القصيرة عن الضحايا مجهولي الهوية،  تُظهِر الصور التاريخية ولقطات الأفلام مواقعَ الاضطهاد والإبادة التي عانى منها اليهود (1). 

تشكِّل زيارة هذا النصب التذكاري هدفًا لأولئك المهتمين بالتفاعل مع الأحداث السابقة وضحاياها، فكيف يؤثر التصميم المعماري للمتحف برأيكم في التجربة التفاعلية للزوار؟

المصادر: