المحاسبة الإبداعية Creative Accounting

تَنشُر الشّركات العامّة قوائمها المالية من قائمة المركز المالي إلى قائمة الدّخل والدّخل الشامل الآخر وقائمة التدفقات النقدية وقائمة التغير في حقوق الملكية إضافةً إلى الإيضاحات، وتعبّر هذه القوائم عن الوضع المالي للشركة ونتيجة أعمالها وتدفقاتها النقدية والتغيرات التي حصلت في حقوق الملكية خلال فترة زمنيّة مُعيّنة. تُمثّل المعلومات التي تحتويها تلك القوائم أساسًا لاتّخاذ القرار من قبل أصحاب المصالح، سواءً من المستثمرين الحاليين أم المحتملين بالأسهم أو بالسندات، أم من المقرضين لاتخاذ قراراتهم عن جدوى  الاستمرار في الاستثمار أو توسيع استثماراتهم في الشركة، أو مانحي القروض أو الجهات الحكومية هذه القوائم بوصفها أساسًا لتحديد الربح الخاضع للضّريبة وفقًا للقوانين المعمول بها (1). 

تُعِدّ الشركات تقاريرَها الماليّة وتنشُرها وفقًا لمعايير المحاسبة الدّولية، لكنّها أحيانًا تَستَخدِم الحيل المختلفة لتغيير نتيجة الأعمال أو الوصول إلى رقم محدّد مسبقًا من الأرباح سواءً بطرائق أخلاقية أم غير أخلاقية، وتهدف من وراء ذلك إلى جذب المستثمرين في الأسواق المالية لشراء أسهمها، وزيادة القيمة السّوقية للأسهم، وهذا ما يُدعى بإدارة الأرباح و المحاسبة الإبداعية (2) وتُعرّف بأنها التدخل في عملية إعداد التقارير المالية الخارجية لتحقيق أهداف خاصة مُحدّدة مسبقًا من الإدارة (3).

التّلاعب بالأرباح لا يكون عن طريق التلاعب بالأرقام المحاسبية المعروضة في القوائم المالية بما يسمى التلاعب الجزئي فقط، بل قد يأخُذ شكل التلاعب بالسياسات المحاسبية بتغييرها أو الاعتماد على سياسات محاسبية قديمة وغير معتمدة مع رفض تغييرها وهذا هو التلاعب الكلّي (2).

ما هي دوافع المحاسبة الإبداعية؟

إنّ الدافع الأول لإدارة الأرباح هو رغبة مجلس الإدارة في زيادة التّعويضات والمكافآت التي يحصلون عليها كنسبة من الربح، ومن جهة أخرى رغبة حاملي الأسهم في زيادة ثروتهم عن طريق زيادة القيمة السوقية للسّهم ممّا يحقق لهم عوائِد عالية، وهذا ما يسبب ضغطًا على مجلس الإدارة، لتتلاعب الأخيرة بالأرقام المحاسبية لإظهار أرباح عالية مما يدفع أسعار الأسهم للارتفاع في الأسواق المالية (4). فوفقًا لدراسة ميدانية أُجريَت في فرنسا بمقابلة 32 مديرًا ل 30 شركة ذَكَر المديرون مساهمَتَهم بما يسمى إدارة الأرباح وأكّدوا على أنّ أحد أهم الدوافع وراء قيامهم بهذه الممارسات هو الضغط المُتزايد من حاملي الأسهم (3).

ما الممارسات الشائعة في المحاسبة الإبداعية؟

الشكل الأول هو تأجيل الفترة المالية المتأثرة بالعمليات عن طريق إما تأجيل بعض الصّفقات لبعض عمليات الشراء، أو تسريع بعض عمليات البيع أو تغيير الطرائق المحاسبية المستخدمة لإعداد القوائم المالية. أما الشكل الثاني فهو تزوير الحقائق والوقائع المُفصَح عنها، والإفصاح عن أرقام غير حقيقية لتضليل مستخدمي القوائم، وهو الشكل الأكثر خطورة والذي من الممكن أن يُعدّ جريمة. كذلك فإنّ هنالك عديدًا من الاستراتيجيات المُستخدمة للتّلاعب بالأرباح؛ كالتمهيد للتقليل من التباين في الأرباح بين الفترات المحاسبية. وتُعدّ إعادة هيكلة الإيرادات التطبيق الخاطِئ للمبادئ المُحاسبية والاعتراف المُبكر بالعوائد من أشهر الممارسات المتبعة في إدارة الأرباح (3).

كيف يمكن التّقليل من ممارسات المحاسبة الإبداعية؟

تُعدّ قواعد الحوكمة واحدةً من أهم العوامل التي قد تحدّ من هذه الممارسات. إلى جانب أن هناك لجنة تدقيق خارجية تُشرف على أعمال المدقّقين سواء الداخليين أم الخارجيين ممّا يزيد استقلاليتهم ويُعزّز إمكانية اكتشاف الأخطاء والتّلاعب ويمنَعها، ورأي المراجع الخارجي بالقوائم المالية أيضًا له دوره الإيجابي في تقليل ممارسات إدارة الأرباح، فخوف مجلس الإدارة من إصدار المراجع لرأي سالب عن عدالة عرض البيانات المالية المنشورة يقلّل من احتماليّة تلاعبها بالبيانات المالية.

ناهيك عن أن تقوية نظام الرّقابة الداخلية والقوانين الحكومية والمعايير الدولية المُلزمة للشركات تؤدي دورًا إيجابيًا في تقليل هكذا ممارسات (2).

يُمكن للعوامل السّابقة أن تقلل ممارسات المحاسبة الإبداعية، لكن يبقى هنالك كثير من الوسائل الإبداعية للتّلاعب تُستَحدَث كلّ يوم، فإدارة الأرباح لا تكن دائمًا عن طريق مواضيع وطرائق غير قانونية في تحريف الأرقام المحاسبية وتغييرها، بل يُمكن أن تكون عن طريق تسريع أو تأجيل بعض الصّفقات للمشتريات والمبيعات كي تظهر في فترة مالية أخرى. وتبقى الأخلاق والقيم العامل الأساس للحدّ من عملية التلاعب، فالسّمو بالقيم الأخلاقية يعني القليل من الممارسات التّلاعبية.

المصادر: