كريستيان ديور (Christian Dior) من بين أحضان الحرب العالمية إلى صدارة عالم الموضة

وُلد كريستيان ديور Christian Dior في نورماندي في فرنسا، وانتقل مع عائلته إلى باريس في العاشرة من عمره، درس العلوم السياسية وخدم في الجيش، ولم تبدأ مهنته في التصميم قبل عام 1935 عندما بدأ ببيع تصاميمه، وعمل لدى المصمم Robert Piguet عام 1938. وجاءت الحرب العالمية الثانية وخدم فيها ديور في جنوب فرنسا ثم عاد مرة ثانية إلى باريس عام 1941 وعمل لدى المصمم Lucien Lelong وفي عام 1946 افتتح دار الأزياء الخاصة به بدعم من صانع النسيج Marcel Boussac.

بدأت شهرة كريستيان ديور بأنه واحد من أكثر مصممي الأزياء أهمية في القرن العشرين عام 1947 بعد إطلاقه لمجموعته الأولى؛ إذ قدَّم مظهرًا جديدًا بأكتاف مُدوَّرة وخصر دقيق وتنورة طويلة بأنوثة فائقة وبإضافة غنية إلى الموضة، فهو لم يقدِّم مظهرًا جديدًا فقط؛ بل توقعات جديدة أيضًا.

ساعد ديور بإعادة باريس عاصمة للموضة بعد الحرب، فكانت كل مجموعة أزياء يُطلقها تتَّسم بنمط مُعيَّن، فمثلًا مجموعة New Look عام 1947 كانت ذات اتجاهات ثورية في عالم الموضة، بمظهره الثوري الجديد، كتب كريستيان ديور فصلًا جديدًا في تاريخ الموضة (1).

 فكانت سترة البار The Bar jacket التصميم المميز في هذه المجموعة، ذات النهايات المستديرة والتي تتبع منحنيات الصدر بالإضافة إلى التنورة السوداء ذات الثنيات التي تتسع للخارج. مع اللمسات الأخيرة المُتميِّزة، بقُبعة صغيرة تطفو بِخفَّة على الرأس، وقفازات وأحذية رفيعة ذات كعبٍ عالٍ (2).

كذلك يُجسد فستان "Cherie" أيضًا مجموعة New Look بعناصره جميعاً: الكتف المنحدر وخط الصدر المرتفع والخصر الضيِّق والتنورة الكبيرة المنسدلة من خط الورك المُبطن إلى نهاية الساق، إذ استعمل  11,8 مترًا من القماش لإنجاز هذا الفستان بتفاصيله وثنياته وقصَّاته، ونستطيع أيضاً أن نرى بوضوح الدرزات التي تُثبت كل ثنية مع الأخرى دلالةً على الدقة والحرفية (3).

اعتُبر العقد التالي العصر الذهبي في تصميم الأزياء لديور الذي أطلق مجموعة من التصاميم في كل موسم، وفي هذه المدة استوحى تصاميمه من الأزهار والقصَّات الأنثوية بعيدًا عن أسلوب الحرب القاسي؛ ولكنها أثارت غضب بعض النقاد بسبب استعماله لكثيرٍ من المواد لإنتاج الفساتين مثل La Cigale على إثر القيود التي فرضتها الحرب التي أصبحت تُقنن في استعمال الأقمشة.

فستان La Cigale هو فستان منتظم بشدة وتابع لمجموعة خريف وشتاء 1952 Profile Line التي اتَّبع فيها ديور أسلوب مجموعة New Look نفسه؛ ولكن بإضافة تباين بالألوان والأشكال.

صُنع هذا الفستان باستعمال عدة أنواع من الأقمشة كالقطن والرايون والأسيتات ومُدعَّم بتنورة سفلية قاسية، الخصر رفيع وفي منتصفه بكلة معقودة من القماش نفسه ويتَّسع عند الوركين. الجزء العلوي من الفستان له أكمام طويلة بياقة مُدوَّرة ومفتوحة بشكل ضيِّق وعميق حتى خط الصدر. النسيج مُموَّج يشبه في ذلك التموج الذي يظهر في خطوط لوح من الخشب، لون القماش المستعمل فضي ولكنه يتغير حسب الضوء إلى البيج أو البنفسجي، صُنع الفستان الأصلي بقماش من الحرير العثماني المُموَّج والمُقوَّى وهو قماش ثقيل جدًّا ومناسب لهذا التصميم (4).

كان ديور مع شريكه Jacques Rouet رائدين في مجال الرُخَص في سوق الموضة؛ إذ رتب رُخصة مُربحة عام 1948 للفرو والجوارب والعطور، لم تقدم له إيرادات مادِّية فقط؛ وإنما اسمًا مهمًّا في هذا المجال.

بوفاة ديور المفاجئ عام 1957 خسرت الموضة مصممًا عظيمًا صمم بنفسه لمدة عقد من الزمن، إلا أن أثره سوف يبقى لعدة سنوات (1)؛ إذ يُكمل إلى يومنا هذا عمل كريستيان ديور عديد من المصممين منهم Raf Simons الذي أعاد إحياء فستان La Cigale في مجموعة خريف وشتاء 2015 بتنورة بارزة عند الوركين وتمتد إلى الخارج بميل كبير، كذلك أضاف إلى الفستان غطاءً من الفرو على الأكتاف مشابهًا بذلك الطريقة التي عُرض بها في الخمسينيات (4).