روبوت يمكنه تخيُّل نفسه

أدت عملية دمج الروبوتات في خطوط الإنتاج إلى تحسين وتطوير كبير في العملية الانتاجية وتخفيف الأعباء الثقيلة عن البشر تخفيفًا ملحوظًا (1).

ومع بروز عمليات الصناعة الذكية كان للروبوتات دورًا محوريًّا، إذ توجه التركيز الى التحرر من الفكرة التقليدية عن الروبوتات المبرمجة والبحث عن إمكانية جعل الروبوتات مؤهلة لأداء مهمات كان يؤديها البشر فقط (1). 

ومع التطور المستمر في تقنيات الذكاء الصنعي، مثل: التعلم العميق، وتقنيات أخرى مثل: وحدة معالجة الرسوميات (GPU) ووحدة معالجة العصبونات الصنعية (NPU)، يُتوقع أن يتطور معها الذكاء لدى الروبوتات (1).

والمقصود بالذكاء هنا هو قدرة الروبوت على أداء مهام معقدة أو تتطلب مرونة في طرائق التعامل كالتي يؤديها الإنسان، وأن يكون قادرًا على التعلم ذاتيًّا واكتساب مهارات جديدة ومتقدمة تساعده في انجاح مهمته أيضًا (1).

ومن الأمثلة على الذكاء في الروبوتات: الروبوت Ai-Da التي لديها القدرة على رسم لوحات فنية بنفسها مثل ما يفعل الفنانون من البشر، وتُعد الروبوت صوفيا الشهيرة من الأمثلة المهمة أيضًا على قدرة الروبوت على تطوير الذكاء لديه (2,3).

إلى أي مرحلة وصلنا؟

أغلق عينيك وحاول أن تتخيل كيف سيتحرك جسدك إذا أديت بعض الحركات كمد ذراع نحو الأمام ماذا ترى؟

نمتلك نحن البشر القدرة على تخيل حركاتنا مسبقًا في الدماغ، ولهذه القدرة دور مهم في تحديد طريقة تحركنا ضمن البيئة المحيطة، فمثلاً عندما تلعب بالكرة يخطط عقلك تخطيطًا مستقبليًّا باستمرار لكي لا تتعثر أو تسقط أو تصطدم بشيء (4).

لكن ماذا لو انتقلت هذه القدرة للروبوتات؟

في خطوة غير مسبوقة في مجال التعلم الذاتي للروبوتات تمكن فريق من المهندسين في جامعة كولومبيا(University of Columbia) من بناء أول روبوت قادر على تخيل نفسه دون أي مساعدة من البشر (4).

استطاع الروبوت بفضل هذا الأمر وضع المعادلات الحركية لنفسه والتخطيط لمساره والوصول الى الهدف المحدد وتجاوز العقبات أمامه، إذ أصبح يمتلك نوع من الوعي الذاتي (4).

كيف حدث هذا؟

وضع الباحثون 5 كاميرات دائريًّا حول الروبوت ليتمكن من مشاهدة شكله وتحركاته من عدة اتجاهات (4).

ليبدأ بعدها الروبوت بتحريك مفاصله ومراقبة كيف تعمل تماماً كما يفعل طفل رضيع يستكشف نفسه لأول مرة أمام غرفة من المرايا (4).

وبعد فعله هذا الأمر مدة ثلاث ساعات متواصلة بمساعدة تقنيات التعلم العميق الموجودة في شبكته توقف الروبوت عن الحركة، فقد استطاعت خلاياه العصبونية الصناعية تعلم العلاقة التي تربط حركة الروبوت بالتأثير الذي تحدثه بالبيئة المحيطة (4).

وأصبح بإمكان الروبوت تخيل كيف ستؤثر حركاته في محيطه قبل أن يفعلها (5).

أهمية هذا البحث؟

إن النمذجة الذاتية التي فعلها الروبوت هي شكل بدائي من الوعي والإدراك الذاتي الذي يسعى الباحثون إلى الوصول إليه، إذ يقول أحد الباحثين في هذا العمل: "إذا كان للروبوت أو الحيوان أو الإنسان نموذج ذاتي دقيق، فيمكنه أن يعمل أفضل في هذا العالم، وأن يتخذ قرارات أفضل وسوف يمتلك ميزة تطورية".

تُعد إمكانية النمذجة الذاتية خطوة مهمة جدًّا لجعل الأنظمة المستقلة أكثر اعتمادًا على ذاتها إذ تمكنها من تخطيط مساراتها وتجاوز العقبات المختلفة، وتضفي مرونة أكثر على عملها أيضًا، إذ إنها تزود الروبوت بإمكانية مراقبة عمليات التآكل والتلف داخل جسمه وتحديد مواقع الضرر فيه والعمل على التعافي منها دون أي مساعدة بشرية (5،4).

إلى أين؟

يبدو هذا البحث مشابهًا لما شاهدناه في أفلام الخيال العلمي عندما يصبح للروبوتات وعي ذاتي كامل وتبدأ في محاولة السيطرة على العالم، ولكن هذا الأمر يطرح سؤالًا ملحًّا: هل نهاية هذه الأبحاث والتجارب يجب أن تكون سيئة دائمًا كما في الأفلام والمسلسلات أم إنها سوف تعود بالفائدة الكبيرة على البشرية؟

نترك لك -عزيزي القارئ- الإجابة على هذا السؤال ومشاركتنا رأيك.

تنويه مهم: (إن استخدام مصطلح "تخيل" في هذا المقال هدفه تشبيه ما يفعله الروبوت مقارنة بالبشر، لكنه علميًّا ليس تخيلًا حقيقيًّا كما قد يفهمه البعض، فإن "التخيل" مصطلح فلسفي يحمل معاني عديدة، وليس له تعريف علمي ثابت).

المصادر: