الفلسفة وعلم الاجتماع > علم الاجتماع
الرجل.. ضحيةٌ أخرى للتنميط الجندري
ليست النساء وحدهن ضحايا النظام الأبوي، بل يعاني الرجال نتيجة الصورة النمطية التي يفرضها عليهم هذا النظام أيضًا عن طريق الإعلام والتنشئة الاجتماعية الخاطئة، وإن كانت النساء قد أطلقن صرختهن في وجه هذا التنميط، فكثيرٌ من الرجال أذعنوا له خشية انتهاك رجولتهم، بينما آخرون اختاروا أن يكونوا جناةً على أن يكونوا ضحايا لهذا التنميط.
جادل فوكو(Foucault 1926-1984) في مسألة الجنسانية (sexuality)، بيَّن أنَّها ليست مجرد سمةٍ طبيعية يُكشَف عنها؛ بل هي بناءٌ تاريخي ترتبط به كلٌّ من علاقات القوة والأفكار والخطاب الذي يتحكم بحدود المعرفة والممارسة المتعلِّقة بها، ليكون الفعل الاجتماعي المرتبط بها أحد الأمثلة على الإنتاج التنظيمي لها ومحددًا لموضوعاتها (1)، وعليه تَشكَّل تصوُّر المجتمع للأدوار النمطية للرجال والنساء؛ إذ شاع الاعتقاد فيه بأنَّ الرجال أكثر قوة وفاعلية ويتمتَّعون بالكفاءة والحزم والاستقلالية والإنجاز، بينما يُنظر إلى النساء على أنَّهن أقل شأنًا من الرجال؛ إذ تُظهِر النساء صفاتٍ مختلفة تميل إلى الدفء والألفة والغيرية والتعبير العاطفي والتقارب الاجتماعي، ونتيجةً لذلك افترض الرجال والنساء -ضمن هذا التصوُّر- أنَّهما طرفان مُكمِّلان لبعضهما بما يحقق التوازن بين نقاط الضعف والقوة لدى كلٍّ منهما، ليدفع بذلك هذا التكامل المزعوم إلى تفوق الرجل وتبعية النساء وخضوعهن (2).
وفرضت مُتطلَّبات التفوق الذكوري المُتمثِّلة بالمكانة والصلابة ومعاداة الأنوثة على الرجال السعيَ لأن يكونوا نافذين وعدوانيين ورافضين لأي نشاط يندرج ضمن النمطية الأنثوية، وهذا ما أوقع الرجال تحت ضغط الدور الجنسي الذكوري (Masculine gender role stress - MGRS)؛ أي قلقهم تجاه المواقف التي تهدد هويتهم الذكورية، ممَّا قد يدفعهم إلى الغضب والعدوانية والعنف تجاه النساء (3)، وتظهر هذه الضغوط جليًّا لدى الرجال الأكثر التزامًا بالمعايير الذكورية التي يفرضها المجتمع، ما يسبب عندهم ميلًا أكبر إلى ارتكاب أعمال العنف وخاصةً تجاه الشريك الحميم؛ بسبب التوتر والإجهاد الناتج عن فشلهم في بلوغ مستوى الرجولة المثالية ومن ثمَّ حاجتهم إلى تأكيد رجولتهم لأنفسهم وللآخرين (4).
ولعلَّ من قيود التنميط الجندري للذكور عدم قدرتهم عن الإفصاح عن تلك الضغوط، ويمكن الاستدلال عن معاناتهم عن طريق دراسات وأبحاث الجندر؛ إذ كشفت مراجعات أُجريت على عشرين مقالة علمية منشورة تناقش مسائل "ضغط الدور الذكوري لدى الجنسين"، و"إجهاد دور النوع الاجتماعي" و"العنف" لدى عينات من الذكور أنَّ النساء كُنَّ أكثر مرونة في أدوارهن ولا يعانين من عبء انتهاك المعايير الاجتماعية التقليدية كما هو الحال لدى الذكور (3).
هل برأيكم يساعد النضال النسوي المناهض للنظام الأبوي على حفظ حقوق الرجال في المجتمع؟
المصادر: