الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة
هل أنت حرٌّ ما لم تسخر!
تجمع السخرية بين الترفيه والتحفيز على المشاركة في قضايا المجتمع، وعند تعرض الأفراد للقضايا تعرضًا ساخرًا، أثبتت السخرية فعاليتها في حث الأفراد على البحث عن المعلومات بحثًا أفضل (1).
ومع ذلك، فإن الجمع بين الترفيه والتحفيز يؤدي إلى تناقض، فالسخرية تهدف إلى جذب الانتباه، ولكنها تدل أيضًا على عدم الجدية، ولكن عند الإشارة بفعالية إلى أهمية القضية التي تُناقش على نحو ساخر؛ يمكن للسخرية أن تكون ذات تأثير مقنع وفعال (1).
وعند الحديث عن السخرية، لا بدَّ من التطرق إلى حرية النقد والتعبير، فمن خلال التعبير عن أفكاره ومعتقداته وقيمه؛ يدرك الشخص طبيعته بصفته إنسانًا ويكوّن هويّته الفردية الخاصة، ولا يمكن عدُّ تكوين الهوية على أنه حدث واحد معين، بل هو عملية مستمرة، ولذلك تُعد حرية التعبير والتفكير من الحقوق الفردية الأساسية (2).
ولكي يكون المرء حرًّا بالمعنى الكامل، من الضروري امتلاكه للحرية الداخلية (حق امتلاك الشخصية والتعبير عن أفكاره)، والحرية الخارجية (حق الحماية الشخصية)، ومن ثم فإن الرقابة غير المبررة تعرقل حرية الفرد في تطوير نفسه وتعبيره عن شخصيته على نحو مستقل، ويفترض حقُّ حرية التعبير بالضرورة حقًّا أكثر جوهرية في الاستقلال الفكري وحرية الفكر والمُعتقد، ويشمل ذلك الأدب والفن والفلسفة والدين والعلم، ووسائل الفكر كافة (2).
ويمكن إسقاط حرية التعبير على الحرية في الاستماع إلى بعض الأفكار والآراء التي من الممكن أن يرفضها بعضهم؛ إذ تنبع حرية التعبير من حب البحث والاستكشاف (3).
وغالبًا ما نكون في وضعية دفاعية فكريًّا أمام أي طرح جديد، وتتجلى الطريقة التقليدية في الدفاع عن الأفكار في مهاجمة أفكار الآخرين؛ إذ يتبنى الشخص الساخر والناقد موقفًا مشتركًا مع شريحة من المجتمع، ويهاجم آراءَ بقية المجتمع وفقًا لهذا المبدأ الذي تبناه (3).
وفي مجتمع ديمقراطي، من غير الممكن مثلًا تقييد الخطاب العام لعدم توافقه مع المبادئ السياسية أو الدينية أو الثقافية لبعض أفراد المجتمع، وعلى الرغم من أن المعتقدات السياسية أو الدينية تعد أساسيةً في تكوين شخصيات الأفراد؛ فإنها كثيرة ومتنوعة جدًّا، ويمكن لتقييد التعبير عنها جميعها أن يكون مستحيلًا، لذلك فإن حق نقد وجهات النظر المختلفة فيها ونقاشها هو حق أساسي، مع الامتناع عن الاعتداء على حقوق الآخرين بخطاب الكراهية والتنمر وتشويه السمعة، والامتناع عن التشكيك في حقوقهم -بصفتهم بشرًا وأفرادًا ضمن المجتمع- في الأمان وحرية التعبير والمُعتقد (2,4).
ومن جانب آخر، لا بد من الإشارة إلى وجود ثمن قد يدفعه كل من يعبر عن رأيه بحرية؛ إذ تؤدي ممارسة حق التعبير عن الرأي أحيانًا إلى فقدان الوظيفة والإقصاء الاجتماعي وفقدان المكانة الاجتماعية؛ فهل علينا أن نخاطر (4)؟
عندما نسمح للضغط الاجتماعي بخنق حرية تعبيرنا، تتشكل نقاط عمياء خطيرة في منظورنا الشخصي، وتشوه فهمنا للعالم، وتعيقنا عن سعينا إلى الوصول إلى الحقيقة، ويمكننا التخلص من النقاط العمياء من خلال تعزيز ثقافة تنوع الآراء وحرية التعبير عنها، وتقع على عاتقنا مسؤولية أخلاقية في الحفاظ على هذه الثقافة الصحية وضمان استمرارها، ولا يعني ذلك أننا مطالبون بالتفكير والتعبير عن آرائنا في كل قضية، لكن يكفي أن نفكر على نحو مستقل، على الأقل في القضايا المهمة (4).
المصادر: