النّظام الغذائيّ المُستدام؛ حاكمُ الطّبيعةِ

شرحنا في مقال سابق عن تأثير النظم الغذائية في المناخ هنا ونتابع في هذا المقال تأثير سلوك استهلاك الأسر واتّباع حميات غذائيّة في المناخ والطّرائق الفعّالة للحدّ من هدر الطّعام والمُساهمة في (الاقتصاد الدائري - Circular economy) الذي يُعدّ نموذجًا للإنتاج والاستهلاك الذي يهدف إلى تقليل النفايات وتعزيز الاستخدام المُستدام للموارد الطبيعيّة؛ وهذا ينطوي على استخدام المواد والمنتجات المتوفرة وإعادة تدويرِها وإصلاحِها لأطوَل فترة ممكنة. ويمكن أن يوفّر الاقتصاد الدائري وسيلةً هامّةً ليس لحماية البيئة فقط، بل لاستخدام الموارد الطّبيعية على نحوٍ أكثر حكمة أيضًا (تقليل هدر الغذاء)، وتطوير قطاعات جديدة، وخلق فرص العمل، وتطوير قدرات جديدة (1).

والسؤال هنا هل  يُمكننا المساهمة في مكافحة هدر الطعام وتسريع الانتقال إلى الاقتصاد الدائري من خلال اعتماد ممارسات مُستدامة في منازلنا واتّخاذ خيارات غذائيّة واعية؟

الإجابة هي نعم بالتّأكيد وذلك من خلال:

1. فَهم سلوك استهلاك الأسرة:

- عادات شراء الطّعام: وفقًا لتقريرٍ أَجرَته منظمة الأغذية والزراعة (FAO) ، فإنّ دراسة عادات شراء الطّعام أظهرت أنّها الخطوة الأولى والأهمّ في تقليل هدر الطعام. ويُشير التّقرير إلى وجود عدّة عوامل تُسهم في هدر الطّعام، على سبيل المثال، تبيّن أنّ الشراء الاندفاعي وشراء كميات زائدة من الطعام ونقص التخطيط المُسبَق، هي أسباب رئيسة للهدر الغذائي. لكن ومن خلال تبنّي ممارسات التسوّق الواعية يمكن تقليل هذا الهدر تقليلًا كبيرًا. وذلك باتّباع بعض الإجراءات: مثل إعداد قوائم التسوق على نحوٍ مُحكَم، وشراء الكميات المطلوبة فقط، والتفضيل لشراء المنتجات الموسمية والمحلية (2). 

- تِقنيات التخزين والحفظ: تُعدّ تقنيات التخزين والحفظ المناسبة ضرورية لزيادة العمر الافتراضي للمواد الغذائية. يمكن أن يُساعد فَهم ظروف التخزين المثلى لمختلف الفواكه والخضروات والسّلع القابلة للتلف على تقليل التلف. إضافةً إلى ذلك، فإنّ استخدام طرائق مثل التعليب والتّجميد والتخليل يُمكن أن يزيد قابلية استخدام الطّعام ممّا يُقلّل احتماليّة الهدر (3). 

2. تعزيز النظم الغذائية المُستدامة:

- الأنظمة الغذائية النباتية: يُعدّ التحوّل نحو النظم الغذائية النباتية نهجًا قويًّا وعلميًّا للحدّ من هدر الطعام وتعزيز الاقتصاد الدائري. تشير الأبحاث إلى أنّ النظم الغذائية القائمة على النباتات لا تتمتّع بِبصمة بيئية أقلّ فقط، لكنّها تُعزز أيضًا الاستخدام الفعّال للموارد (4). ويمكن تعزيزَها من خلال زيادة استهلاكنا للفواكه والخضروات والبقوليات والحبوب الكاملة في وجباتنا. وتشير الأبحاث إلى أنّ النُّظم الغذائيّة النباتيّة غنيّة بالمواد المغذية وتُسهم في الوقاية من أمراض عديدة مزمنة مثل السمنة وأمراض القلب والسّكري (5). علاوةً على ذلك، فإنّها تُقدّم أيضًا فرصة لتنويع مصادر البروتين، وتقليل الاعتماد على المصادر الحيوانية التي تستهلك موارد كبيرة، وتسبب تأثيرات بيئية سلبية. ومن ثمَّ، يُسهم التحوّل نحو النظم الغذائية النباتية في تحقيق استدامة أكبر وتخفيض هدر الموارد الغذائية (5,6).

- تشجيع التّنوّع الغذائي: كونَه يُسهم في تعزيز الأنظمة الغذائية الأكثر استدامة وفعّالية ويهدف إلى تقليل هدر الطّعام من خلال تعزيز استهلاك مصادر غذائية متنوعة ممّا يؤدي إلى تقليل الضغط على محاصيل مُعيّنة. توسيع خياراتنا الغذائية واستخدام الأنواع الغذائية التقليدية يُسهم في تنويع استهلاكنا وتقليل تلف الأطعمة. كذلك فإنّ تشجيع التنوّع الغذائي يرفَع الوعي بقيمة الطعام والممارسات المُستدامة للاستهلاك، ويُسهم في تحفيز استخدام الأطعمة استخدامًا فعّالًا وذي مردود. إضافةً إلى ذلك، يُعزّز التنوّع الغذائي الابتكار في تحضير الوجبات واستخدام بقايا الطعام بطرائق مبتكرة وإعادة تدويرها بدلًا من التّخلُّص منها (7).

3. اعتماد الممارسات الغذائية الدائرية:

- تحويل بقايا الأغذية إلى سماد عضوي وإعادة تدويرها: يُتيح لنا تطبيق أنظمة التسميد في المنزل تحويل بقايا الطعام إلى تربة غنية بالمغذيات القيمة، ممّا يؤدّي إلى إغلاق حلقة نفايات الطعام. علاوةً على ذلك، يُمكن أن يؤدّي دعم مبادرات التسميد المجتمعية والدعوة إلى البنية التحتية المحلية للتسميد إلى زيادة التأثير والمُساهمة في نظام إدارة نفايات أكثر استدامة (2).

- الاقتصاد التشاركي وإعادة توزيع الغذاء: يُمكن أن تساعد مشاركة الطعام، مثل الثلاجات المجتمعية أو بنوك الطعام، على إعادة توزيع الفائض منه على المحتاجين. من خلال ربط فائض الغذاء بالأفراد والمنظمات الذين يمكنهم الاستفادة منه، وبهذا يُمكننا القضاء على النفايات غير الضرورية وتعزيز اقتصاد أكثر شمولًا وتعميمًا (2).

4. البحث والنّمذجة العلميّة:

يُمكن استخدام البحث والنّمذجة العلميّة للحدّ من هدر الطعام، وتسريع الانتقال إلى الاقتصاد الدائري من خلال تحليل العوامل المؤثّرة في هدر الطعام وتحديد الحلول المُناسبة للحدّ منهُ وذلك باستخدام النّمذجة الرياضية. ولا بدّ من تسليط الضّوء على أهمية التعليم والتوعية لتعزيز الممارسات الغذائية المستدامة وتقليل هدر الطعام (8).

المصادر: