الشك الديكارتي بوصفه أسلوب حياة

ظهرت على مر التاريخ مذاهب متعددة في فلسفة الشك (Skepticism) في محاولة للوصول إلى الحقائق على نحو موضوعي وعملي بعيدًا عن العاطفة، ويُعد رينيه ديكارت (1596–1650 René Descartes) من أهم وأشهر رواد هذا الاتجاه الفلسفي، فإضافةً إلى كونه مفكرًا علميًّا ذا نظريات مهمة في الرياضيات، فهو رائد من رواد الفلسفة الطبيعية وأحد أهم فلاسفة مذهب الشك، ويرى ديكارت أن الحقيقة الأخلاقية لا يستحيل الوصول إليها، لكنه يرى أن الأحكام الأخلاقية تحتمل الصحة أو الخطأ، أي إنه لا يمكن اعتبار ديكارت لا إدراكيًّا (non-cognitivist) في ما يخص الأحكام الأخلاقية، إذ يرى أنه على الرغم من اعتبار أحكامنا و تصوراتنا الأخلاقية العملية مؤكدة من منظورنا فإنها قد تكون خاطئة (1,2).

ولهذا صُنِّفَ ديكارت على أنه نوع من الفلاسفة المشككين (Skeptical ) المتميزين، فهو يحاول أن يشير إلى محدودية وبساطة تفكيرنا معتبرًا أن الإنسان بطبعه محدود التفكير (finite-minded)، إذ إن عقل الإنسان لا يستطيع إدراك صحة أفكاره وادعاءاته الأخلاقية قطعيًّا، لأنه ببساطة لا يستطيع إدراك الحقيقة الكاملة، ويحاول ديكارت توسيع نطاق تفكير الإنسان، من خلال البدء بطرح أسئلة عن القضايا المهمة ووضعها تحت عدسة النقد والتحليل العلمي (1).

وتدّعي فلسفة الشك أننا لا ندرك مدى مصداقية المعتقدات التي نتبناها ونمارسها في حياتنا ولذلك يجب النظر إليها بعين الناقد والمشكك والباحث عن الحقيقة، ولكن بدايةً يجب التمييز بين هذا الشك والشك الاعتيادي، إذ يُعد الشك عاديًّا عندما نقول أننا لا نعرف  عدد النجوم في السماء إذا  كان زوجيًّا أو فرديًّا، ولكن الشك الفلسفي يتساءل هل ستشرق الشمس غدًا أم لا، والشك الديكارتي من هذا المنطلق يسلّط الضوء على الأحكام والقناعات المتوارثة (3).

ويقول ديفيد هيوم في هذا الصدد: "من المقدَّر على المنطق أن يكون عبدًا للرغبات، ولا يمكنه سوى أن يخضع لخدمتها وطاعتها" (4).

وبذلك يكون الشك الديكارتي حول قضية ما مبنيًّ على الوعي بأن الأسباب والتجارب يمكن أن تحفزنا على الشك والسؤال، ولكن إذا فشلت هذه الأسباب فإن هذا يظهر فقط حدود إمكاناتنا العقلية، وهي تعلمنا مدى الحاجة لأن نُعمِلَ العقل والتفكير في القضايا الأساسية في حياتنا دون أن نصل إلى مرحلة الارتياب والانفصال عن الواقع، بل إنها تزرع في الإنسان فكرة السؤال وثقافته، والسعي للوصول إلى أقرب جواب منطقي عقلاني وموضوعي.

المصادر: