موجة الحر القاسية وظاهرة إلنينيو تكبد الاقتصاد العالمي خسائر فادحة

بدأ العالم يعيش آثار التغير المناخي وانبعاثات الكربون بوضوح مؤخراً، مع إعلان الأمم المتحدة عن تسجيل رقم قياسي لأعلى درجات حرارة في العالم في الأشهر الأخيرة، وبحسب المنظمة العالمية للأرصاد (WMO) فإن الأسبوع الأول من شهر تموز (يوليو) شهد أعلى درجات حرارة سجلت في التاريخ بمتوسط 17.24 درجة مئوية، وقد تسببت درجات الحرارة المرتفعة في ذوبان الجليد في القطب الجنوبي على نحو غير مسبوق بما يقل عن المعدل بنسبة 17 في المئة، والملفت أن القطب الجنوبي في العادة يكون مستقراً وبارداً وظاهرة الذوبان تلاحظ في القطب الشمالي فقط (1).

بدء ظاهرة إلنينيو 

إلنينيو ظاهرة مُناخية طبيعية تترافق بارتفاع درجات حرارة سطح البحر عن المعدّل الوسطيّ، وذلك في وسط المحيط الهادئ وشرقه بالقرب من خطّ الاستواء، وتحدث هذه الظاهرة وسطيّاً كلّ 2-7 سنوات (2).

وقد أعلنت المنظمة العالمية للأرصاد عن بدء ظاهرة إلنينيو حاليّاً في بداية شهر تموز (يوليو) 2023.

ونتيجة تسخينها للمحيطات، فإنّ الحرارة ستنتقل أيضاً إلى الغلاف الجوي. 

وإن هذه الظاهرة تترافق كذلك مع التغيُّر المناخي وانبعاثات الكربون  الناتجة عن الأنشطة البشرية، لذلك من المتوقّع أن تُسجَّل إحدى السنوات الخمس القادمة الأعلى حرارةً تاريخيّاً منذ بدأنا التسجيل.

وتسبب الأعاصير المدارية تأثيرات كبيرة في الشواطئ ومصايد الأسماك، إضافة إلى أمطار غزيرة وإصابات وتشريد للسكان، أي بمعنى آخر تزيد احتمالية حالات الطقس المتطرفة والأحداث المناخية (1).

ظاهرة إلنينيو تكبد الاقتصاد العالمي خسائر فادحة

لظاهرة إلنينيو ثمن باهظ جداً على الاقتصاد العالمي، إذ أظهرت دراسة نشرت مؤخراً أنّ آثارها المتضخّمة بفعل الاحترار العالمي ستتسبب بخسائر تقدر ب 84 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي مع نهاية القرن الحالي، حتى لو نفذت المعاهدات الهادفة إلى خفض نسبة الكربون، وأكثر الدول المتأثرة هي الدول ذات الدخل المنخفض، فالدول التي لا تمتلك أدوات للتكيف قد تتكبد خسائر اقتصادية أكبر بكثير من باقي الدول. 

يتوقع أن تؤدي ظاهرة إلنينيو أيضاً إلى ركود اقتصادي قد يستمر من خمس إلى عشر سنوات، وكذلك يتوقع أن تتسبب الظاهرة في تكبد الاقتصاد العالمي خسائر تصل إلى 4 تريليون دولار.

تختلف تأثيرات إلنينيو في الطقس باختلاف المناطق، ففي مناطق من العالم تتمثل الآثار بالجفاف وما يسببه من حرائق في الغابات، وفي مناطق أخرى قد تتسبب بفيضانات وتدمير للمحاصيل الزراعية والثروة السمكية مما قد يؤثر على نحو كبير في اقتصاديات الدول المحلية والاقتصاد العالمي ككل (3).

خسائر ظاهرة إلنينيو على مدى التاريخ

تحدث ظاهرة إلنينيو كل عدة سنوات لكن أكبرها تاريخياً كانت تلك التي التي سُجِّلت في الأعوام 1982-1983 و1997-1998 (4)، وتسببت بخسائر اقتصادية قدرت ب 4.1 و5.7 تريليون دولار على التوالي، وعلى الرغم من أن هذه الأحداث المناخية تزامنت مع أزمة مالية أسهمت بنسبة من الخسائر، إلا أن الدراسة التي نشرت مؤخراً أثبتت أنه بعد استبعاد تأثير الأزمة المالية، ظهر تأثير سلبي واضح لظاهرة إلنينيو في الناتج المحلي الإجمالي العالمي على المدى الطويل (3).

الآثار الاقتصادية للتغير المناخي 

يؤدي التغير المناخي إلى إحداث آثار اقتصادية في العالم أجمع، إذ يؤثر في الزراعة وإنتاج الغذاء مما يسهم في تقليل الأمن الغذائي، ويؤثر ارتفاع حرارة المحيطات وازدياد حمضيتها كذلك في الثروة السمكية إضافة إلى التأثيرات السلبية في السياحة، إلى جانب ما أحدثه المناخ المتطرف من فيضانات دمرت البنى التحتية والمنازل وأدت إلى تشريد السكان، وتشير التقارير إلى أن أكثر الناس تأثراً بالتغير المناخي هم الأفقر اقتصادياً (5).

هل يمكن تجنب الخسائر الاقتصادية والآثار السلبية للتغير المناخي؟

يمكن تخفيف حدة الخسائر المتوقعة على البشر والاقتصاد العالمي عن طريق اتباع إجراءات التكيف وتخفيف الانبعاثات التي تتمثل بالاعتماد على تقنيات منعدمة أو منخفضة الانبعاثات، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، إضافة إلى الاعتماد على الطاقة البديلة لتوليد الكهرباء بدون انبعاثات، والاعتماد على نحو أكبر على تحسين كفاءة استخدام الطاقة (5).

بعد الأحداث المناخية الأخيرة المتمثلة بارتفاع درجات الحرارة على نحو غير مسبوق، وظاهرة إلنينيو والخسائر الاقتصادية المتوقعة منها، أصبحت إجراءات التكيف وتخفيف الانبعاثات ضرورة وحاجة ملحة لتأمين مستقبل مستدام يمكن العيش به.

المصادر: