الغذاء والتغذية > عادات وممارسات غذائية
جاذبيَّةُ رائحةِ جسدِك مرآةُ طعامك!
يُعدّ النظام الغذائيّ واحدًا من أهمِّ العوامل البيئيَّة المُشكّلة للتواصل الكيميائيّ بين أفراد مجموعةٍ معيَّنة، وقد يؤدّي هذا النظامُ دورًا جوهريًّا في التعرّف إلى الأفراد المختلفين كذريَّة الأم والأقارب، إضافةً إلى أنَّ الإشاراتِ الكيميائيَّة المرتبطة بالنظام الغذائيّ كثيرًا ما تشاركُ في تقييم جودة الشركاء المحتملين. ويمكنُ تفسير هذه العلاقة انطلاقًا من أنَّ هذه الإشارات قد توفِّر معلوماتٍ غير مباشرة عن جودة مكان السكن، وكفاءة البحث عن الطعام وإيجاده، وكذلك قدرة الجسم الفيزيولوجيَّة على استقلاب المواد الغذائيَّة المهمة، فالإشاراتُ المرتبطة بأنواع الأغذية النادرة نسبيًّا ترتبطُ باحتماليَّة استجابة عالية لهذه الإشارات نظرًا لعكسها قدرة الفرد العالية على توفير هذه الأنواع النادرة من الغذاء (1).
من منظورٍ آخر، فإنَّ رائحة الجسد تسهمُ في تحسين النسل المحتمل من خلال نقطتين أساسيَّتَين: تجنب زواج الأقارب من خلال تحديد الهويَّة الجينيَّة للأفراد المحيطين، وعكس الحالة الصحيَّة للشريكِ المحتَمل، إذ يؤثِّر النظام الغذائي للفرد في احتمالاتِ تدهور صحته وإصابته بمختلف الأمراض (2).
من المفيد الإشارة إلى أنَّ فرادة رائحة أجسادِنا تتشكَّلُ في وقتٍ مبكرٍ جدًّا من حياتِنا، إذ أظهر الباحثون أنَّ الأطفالَ حديثي الولادة يمكنهم تمييز رائحة ثدي أمهاتهم وكذلك رائحة الإبطين خلال عدَّة أسابيع بعد الولادة. وفي الإطار نفسه تتمكَّن الأمهات من تمييز رائحة أولادهنَّ بعد يومين من ولادتهنَّ. وكذلك يتمكَّن الآباء من التمييز بين رائحة طفلهم ورائحة الأطفال الآخرين عندما يبلغ طفلهم عمر ثلاثة أسابيع.
يبقى أن نؤكِّدَ أنَّ رائحة الجسد ليست مرتبطة بالعوامل الوراثيِّة فقط، بل هي تعكسُ أيضًا التأثيرات النفسيَّة (بيّنت دراسةٌ العلاقة بين الحالة المزاجيَّة للفرد كالخوف مثلًا ورائحة إبطه). والفيزيولوجيَّة والبيئيَّة (نذكِّرُ أنَّ النظام الغذائي يندرج ضمن هذه الفئة). ومن المفيد الإشارة إلى تغيُّر رائحة جسد المرأة مثلًا خلال مختلف مراحل حياتها، إذ تصل جاذبية هذه الرائحة إلى حدِّها الأقصى خلال فترة الإباضة (3).
ما الذي توصَّلت إليه مختلف الدراسات عن العلاقة بين النظام الغذائيّ وجاذبيَّة رائحة أجسادِنا؟
- هدفت إحدى الدراسات إلى اختبار ما إذا كان الحرمان الكامل من الغذاء مدَّة 48 ساعة يؤثِّرُ في جودة رائحة الجسد، فكانت النتائج هي عدم وجود أيَّة فروق بين مستويات البهجة والجاذبيَّة وكثافة عينات الرائحة (أُخذت من تحت الإبط) عند تقييد السعرات الحراريَّة المستهلكة من قِبَل المتطوِّعين. لكن على النقيض من ذلك، لوحظ أنّ العينات صُنّفت على أنَّها أكثر متعة وجاذبيَّة عند جمعها بعد 48 ساعة من استعادة النظام الغذائي "الطبيعي" (1).
- دراسةٌ أخرى أظهرت أنَّ التقييمات العاطفيَّة للمتطوعين كانت أكثر إيجابيَّة عند شمِّ رائحة العرق المأخوذ من الرجال الذين تناولوا كميَّاتٍ أكثر من الفواكه والخضروات. وجديرٌ ذكره أنَّ هناك عدَّة تأثيراتٍ إيجابيَّةٍ لتناول الفواكه والخضروات من ضمنها عوامل متَّصلة بالكاروتينات الغذائيَّة التي لا يستطيع البشر تصنيعها (الكاروتينات الغذائيَّة carotenoids هي مركبات عضويَّة متعددة ومنتشرة على نحوٍ واسع كأصباغٍ في النباتات وتُحوّل إلى فيتامين A في الكبد) (2).
- كان الهدف الأساسي من إحدى الدراسات اختبار العلاقة بين استهلاك اللحوم ورائحة الجسم. وقد أظهرت النتائج للمرة الأولى أنَّ استهلاك اللحوم الحمراء قد يؤثِّرُ في رائحة الجسم الإبطيَّة؛ إذ حُكِم على روائح المتبرعين الذين لا يتناولون لحومًا في نظامِهم الغذائيّ على أنَّها أكثر متعة وجاذبيَّة وأقل حدَّة، مع تسجيل عدم تأثر هذه الرائحة في الدورة الشهريَّة أو في حال كون المتبرِّع في علاقةٍ مع شريكٍ آخر. ويتوقَّع الباحثون وجود علاقةً بين كمية الدهون المتوفرة في اللحوم المستهلكة ورائحة الجسم.
يضيفُ باحثو هذه الدراسة أنَّه يوصى عمومًا بتجنُّب استهلاك الوجبات التي تحتوي الثوم والبصل والفلفل الحار والخل والجبن الأزرق والملفوف والفجل ومنتجات الألبان المتخمرة والأسماك المتبلة. ويوضّحون أنَّنا لا زلنا لا نعرف سوى قليل جدًّا عن تأثير مكوِّناتٍ معيَّنة وعن تفاعلاتِها، ومن ثمَّ يوصى بإجراء دراساتٍ مستقبليَّة لمعرفة كيفيَّة تأثير العوامل البيئيَّة في رائحة الجسم (3).
أخيرًا، نطرحُ السؤال الآتي:"هل من الممكن أن تتوسَّع هذه الدراسات لتكون حصيلتها معلوماتٍ أكثر دقَّة تكوِّن ما يشبه "كتالوج" تحسين رائحة الجسد؟". هذا ما ستكشفه الدراساتُ العلميَّةُ القادِمة!
المصادر:
2. Zuniga A, Stevenson RJ, Mahmut MK, Stephen ID. Diet quality and the attractiveness of male body odor. Evolution and Human Behavior [Internet]. 2017 [cited 2023 Oct 25];38(1):136–43. Available from: هنا
3. Havlicek J, Lenochova P. The effect of meat consumption on body odor attractiveness. Chemical Senses [Internet]. 2006 [cited 2023 Oct 25];31(8):747–52. Available from: هنا