البيولوجيا والتطوّر > أخبار البيولوجيا
ظلامٌ تامّ… طريقة جديدة للموت الخلوي!
يُجيب لويس كارول (Lewis Carroll) في روايته الشهيرة أليس في بلاد العجائب (Alice's Adventures in Wonderland) عن سؤال دودة القزّ لأليس (Alice) "مَن أنتِ؟" بالإجابة الآتية: "على الأقلّ، وفي الوقت الراهن، أعرف مَن كنتُ عندما استيقظت هذا الصباح، لكن أظنُّ أنّي تغيرت عدّة َمراتٍ منذُ ذلك الحين." فما رأيُّ العلم بإجابة أليس؟
في الحقيقة، إنَّ إجابتها صحيحةٌ إلى حدٍّ بعيد من الناحيةِ الحيويّةِ؛ فنحن نتغيّر على نحو مستمر طوال حياتنا، وقد قُدِر لكلّ شخص منّا أن يتخلّص من كتلة خلايا، وبالمقابل يُوّلِد كتلةً خلوية مساوية تقريبًا لكتلة جسمه كلَّ عام وتُدعى عملية التقلُّب الخلويّ (Cell Turnover)، وهي عمليةٌ ضرورية لاستتباب الأنسجة الحية (Tissues Homeostasis) واستقرارها، لها ثلاث مراحل رئيسة تبدأ بالتخلُّص من الخلايا التالفة، ثمّ توليد خلايا جديدة بتواسط الخلايا الجذعية، وتنتهي بتمايز الخلايا الجديدة وارتباطها مع مكوّنات النسيج الموجود مسبقًا (1,2).
فضلًا عن دوره في الاستتباب النسيجي. وعمومًا، فإنَّ الموت الخلوي يؤدي دورًا مهمًّا في تطوُّر العضوية، في حين تشير بعض الدراسات إلى دور الموت والتخلُّق الخلوي ضمن النسيج العصبي (Neurogenesis) في عمليات التعلُّم والذاكرة(1) .
في مطلع عام 2022، اكتشفَ باحثون من جامعتَي كيوتو (Kyoto) وكوب (Kobe) في اليابان آليةً جديدةً للموت الخلوي في معي حشرة ذبابة الفاكهة البالغة (Drosophila)، أطلقوا عليها اسم "Erebosis" التي تعني بالإغريقية القديمة "الظلام التامّ"، وقد اشتُقَّ الاسم من كون الخلايا التي تموت بهذه الطريقة تسمى الخلايا المعوية (Enterocytes)، إذ تفقدُ تألّقها بالبروتينات المتفلورة (Fluorescent Proteins) مثل: (GFP) (Green Fluorescent Protein) و(RFP) (Red Fluorescent Protein)، فتبدو عاتمةً بالمجهر الإلكتروني (3).
وتُقسم معي ذبابة الفاكهة البالغة إلى 14 منطقة اعتمادًا على الخصائص التشريحية والنسيجية، وقد لاحظ الباحثون أنَّ تراكم الأنزيم المحوِّل للأنجيوتنسين (Ance) (Angiotensin-converting enzyme) يكون بأعلى مستوياته في المناطق R1, R2, R4، لكن بعد الأخذ بالحسبان أنَّ التقلب الخلوي يكون بمعدله الأعلى في المنطقة R4؛ ركزوا دراستهم على هذه المنطقة (3).
(خلايا معوية تعبّر عن أنزيم (Ance) في المنطقة R2 (رأس السهم) والمنطقة R4 (الخط الأبيض)
وتتميز الخلايا المعوية (Enterocytes) بأنّها النوع الأكثر تمايزًا من الخلايا الموجودة في المعي، وتتخصص بامتصاص المغذيات على نحوٍ رئيس، ولها معدل تقلب يُقدَّر بـ (4 أيام - 3 أسابيع) (3).
وقد لاحظ الباحثون تراكمًا لأنزيم (Ance) في الخلايا على الرغمَ من أنّهم لم يجدوا له أيَّ دورٍ أو وظيفة، وذكروا أنَّ نوى هذه الخلايا (المُتبِّعة لهذه الآلية من الموت الخلوي) تكون مسطّحةً ذات قطر أكبر من المعتاد، وقريبةً جدًّا من الطبقة العضلية الحشوية.
كذلك فإنَّ تلوُّن المادة الوراثية ضعيفٌ وقد يكون غائبًا، وهذا يدلّنا إمّا على فقدان محتوى الخلية من الـ DNA، وإما أنَّ الكروماتين متكثّفٌ للغاية إذ يجعل الصبغات الملوِّنة غير قادرةً على الوصول إلى المادة الوراثية، وقد ترافق ذلك مع فقدان بعض العضيات الخلوية كالميتاكوندريا (mitochondria) والهيكل الخلوي (cytoskeleton) وخاصّةً خيوط الأكتين (Actin Filaments).
(3)
(''A: صورة بالمجهر الإلكتروني النافذ TEM لخلية معوية خضعت لعملية (Erebosis) لها زغيبات قصيرة وهيولى قميّة فقيرة بالمتقدرات، ''B: صورة بالمجهر الإلكتروني النافذ TEM لخلية معوية طبيعية تمتلك زغيبات متطورة وهيولى قميّة غنية بالمتقدرات).
ويرجّح الباحثون أنَّ الـ (Erebosis) عملية مُوجَّهة جزيئيًّا على أن تكون حادثةً عشوائية، ويناقشون أنّه من الصعب تخيُّل بقاء الخلايا حيّةً استقلابيًّا بعد كلّ هذه التغيُّرات الكبيرة، ويخمّنون باحتمالية أن يكون لهذه الخلايا الميتة وظائفُ بنيوية مثل الخلايا الميتة المتقرنة على سطح بشرة الجلد.
وأخيرًا، ذكروا بأنهم يخططون مستقبلًا للبحث في الآليات الجزيئية والكيميائية التي تحدث بها عملية الـ Erebosis)(3) (.
المصادر:
2. Elmore S. Apoptosis: A review of Programmed Cell Death. Toxicologic Pathology. 2007;35(4):495–516. Available from: هنا
3. Ciesielski HM, Nishida H, Takano T, Fukuhara A, Otani T, Ikegawa Y, et al. Erebosis, a new cell death mechanism during homeostatic turnover of gut enterocytes. PLOS Biology. 2022;20(4). Available from: هنا