الغذاء والتغذية > عادات وممارسات غذائية
كيف تؤثر صحة أمعائك في قلبك
عُدَّت الكائنات الحية الدقيقة في الأمعاء -وهي المجتمع الميكروبي كثير الوفرة الذي يعيش في جسم الإنسان- مؤخرًا بوصفهِا "عضوًا غيرَ مرئي" لا غنى عنه، ينظم الوظائف الأساسية لفيزيولوجيا المضيف، بما في ذلك تحويل العناصر الغذائية والتّمثيل الغذائي، والحفاظ على سلامة الحاجز المعوي، وتوازن مناعة المضيف (1).
من بين تلك الميكروبات المعوية تمثل Firmicutes و Bacteroidetes في الأمعاء الغليظة حوالي 90% من العدد الإجمالي للميكروبات المعوية، وتُعدّ هذه النسبة مؤشّرًا صحيًّا حيويًّا يعكس الحالة الصحية، ويرتبط أيضًا بحدوث الأمراض القلبية الوعائية. إضافةً إلى ذلك، تحافظ الكائنات الحية الدّقيقة في الأمعاء على علاقة تكافلية أو عدائية مع مضيفها لتشكيل نظام ميكروبي ديناميكي ومتوازن (2).
على مدار العقدين الماضيين، كشفت دراسات عديدة كيفية تأثير ميكروبات الأمعاء ومنتجات تحللها (المستقلبات) في العوامل المرتبطة بأمراض القلب. تدعم نتائج معظم تلك الدراسات نفس النصائح الأساسية التي يوصي بها خبراء الصّحة (اتّباع نمط غذائي نباتي في الغالب، وتقليل الأطعمة عالية المعالجة) (3).
إن تأثير ميكروبيوم الأمعاء في صحّة القلب والأوعية الدموية متعدد الأوجه ويشمل:
(اختلال الميكروبيوم/ خلل العسر الحيوي - Dysbiosis):
إن تناول المغذيات الغذائية dietary nutrient intake بوصفها عاملًا بيئيًّا رئيسًا يؤثر في تكوين الكائنات الحية الدقيقة في الأمعاء، يُمكن أن يحفز "اختلال الميكروبيوم/ خلل العسر الحيوي"Dysbiosis الذي يعرف بأنه مجتمع ميكروبي متغير بما في ذلك الثراء والتنوع والتكوين -وهو فرط نمو الميكروبات الضارة- يمكن أن يؤدي إلى تسريع خلل التوازن الاستتبابي الذي يُسهم في حالات مرضية متعددة بما في ذلك السمنة والسكري وأمراض الكبد والسرطان واضطرابات الدماغ، وكذلك أمراض القلب والأوعية الدّموية التي لا تزال السّبب الرّئيس للمراضة والوفيات في كافة أنحاء العالم من خلال آليات مثل تغيير وظيفة حاجز الأمعاء والالتهاب الجهازي (1).
يُعدّ اختلال الميكروبيوم/ خلل العسر الحيوي للأمعاء أيضًا محرّكًا للالتهاب الأيضي وخلل التنظيم الأيضي، والذي يُعدّ بمثابة سمة رئيسة للأمراض الأيضيّة. على سبيل المثال، فإنّ انتقال البكتيريا المعوية إلى الدّم والكبد من خلال الجهاز الوريدي البابي مع مستقلباته قادرٌ على تحفيز إطلاق العوامل الالتهابية، وتعزيز حدوث الكبد الدهني غير الكحولي وكذلك التهاب الكبد. علاوةً على ذلك، فقد أُبلِغَ عن أنّ الكائنات الحية الدّقيقة في الأمعاء تؤدّي أيضًا دورًا مهمًا في أمراض القلب والأوعية الدموية (2).
يُمكن أن ينجم هذا الخلل عن اتّباع نظام غذائي فقير بالمغذيات، غنيّ بالأطعمة المُصنّعة والسكر والمحليات الصناعية والدهون غير الصّحية، ممّا يؤدّي إلى فرط نمو الميكروبات الضارة. تنتج هذه الميكروبات منتجات وسمومًا مؤيدة للالتهابات، مما يُسهم في حدوث التهاب منخفض الدرجة في كافة أنحاء الجسم ومن ثمَّ الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية (3).
ثلاثي ميثيل أمين N-أكسيد (TMAO) Trimethylamine N-Oxide:
يُعدّ ثلاثي ميثيل أمين N-أكسيد (TMAO) أحد المستقلبات المثيرة للاهتمام في سياق صحة القلب. يُنشَأ عندما تتغذى ميكروبات الأمعاء على الكولين Choline -وهو عنصر غذائي متوفر في اللحوم الحمراء والأسماك والدواجن والبيض- في الكبد، يحوّل TMA إلى ثلاثي ميثيل أمين ن-أكسيد (TMAO). تشير بعض الأبحاث إلى وجود صلة بين TMAO و انسداد الشرايين، على الرغم من أنّ الأدلة ليست متّسقة. ومع ذلك، يوصى عمومًا بالحدّ من استهلاك اللحوم الحمراء، المصدر الرّئيس لـ TMA في النظام الغذائي (1,3).
التأثير الغذائي في ميكروبات الأمعاء:
يؤدي النظام الغذائي المتوازن الغني بالألياف والبريبايوتكس والبروبيوتيك دورًا حاسمًا في الحفاظ على ميكروبيوم أمعاء صحي. توفر الأطعمة مثل الحبوب الكاملة والبقوليات والفواكه والخضروات العناصر الغذائية اللازمة لنمو بكتيريا الأمعاء المفيدة، والتي بدورها يمكن أن تؤثر على نحوٍ إيجابي في صحّة القلب (3).
- البروبيوتيك Probiotics : تُعرّف البروبيوتيك على أنّها "الكائنات الحية الدقيقة التي عند تناولها بكميات كافية تمنَح فائدة صحية للمضيف. تحتوي كميات كبيرة من المنتجات المخمرة في النظام الغذائي مثل الزبادي والمخلل الملفوف والكفير والكيمتشي على سلالات بروبيوتيك بكونها البريبايوتكس. حُدّدت أيضًا سلالات البروبيوتيك للحماية من تطور الأمراض القلبية الوعائية كتحسين وظيفة بطانة الأوعية الدموية (1,3).
- الألياف الغذائية والبريبايوتكس Prebiotics:
الألياف الغذائية هي كربوهيدرات غير قابلة للهضم وتتوفّر في الفواكه، الخضروات، الحبوب الكاملة، المكسرات، والبقوليات. هذه الألياف لا تمتص في الأمعاء الدقيقة، لكنّها تغذي البكتيريا المفيدة في الأمعاء، ممّا يساعد على زيادة تنوع هذه البكتيريا وإنتاج أحماض دهنية قصيرة السلسلة (SCFAs). هذه الأحماض تنشط مستقبلات في الجسم تسهم في تحسين الصحة العامة والوقاية من بعض الأمراض. يؤدّي تحلّل الألياف الغذائية بواسطة بكتيريا الأمعاء إلى إنتاج حمض البيوتريك، الذي له آثارٌ مفيدة على صحة القلب (1).
أظهرت الدّراسات أن الألياف في الحمص، على سبيل المثال، تزيد تنوّع البكتيريا المفيدة وتحسن مستويات حمض البروبيونيك، مما يساعد على تحسين مستويات السكر في الدم. وُجد أن الشوفان يُسهم في خفض مستويات الكوليسترول وتحسين حساسية الأنسولين بفضل تأثيره في البكتيريا المفيدة في الأمعاء. وعلى نحوٍ مماثل، فإنّ استهلاكَ منتجات الحبوب الكاملة يقلّلُ مستويات الكوليسترول الضار، ويزيدُ وفرة بكتيريا البيفيدوبكتيريوم المفيدة (1).
- البوليفينول Polyphenols: إن تناول نظام غذائي غني بالبوليفينول -وهي مركبات موجودة على نحوٍ طبيعي في الفواكه والخضروات- يمكن أن يكون له تأثيرات إيجابية في صحة القلب. البوليفينول يعزّز التّنوع الميكروبي في الأمعاء ويزيد المكورات العنقودية -مجموعة من البكتيريا المفيدة- وهذا يؤدي إلى خفض عوامل خطر الأمراض القلبية الاستقلابية، مثل مستويات الدهون الثلاثية والكوليسترول في الدم. ومن ثمَّ، قد تكون الأطعمة الغنية بالبوليفينول مثل الفواكه والخضروات علاجًا فعّالًا للوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية، وذلك جزئيًّا من خلال تأثيرها في البكتيريا المفيدة في الأمعاء (1).
تؤكد هذه الأدلة الناشئة على أهمية الحفاظ على ميكروبيوم صحي في الأمعاء من خلال اتّباع نظام غذائي متوازن، ليس لصحة الجهاز الهضمي فقط، بل لتأثيرهِ العميق في صحة القلب. يمثل التقاطع بين النظام الغذائي وميكروبيوم الأمعاء وصحة القلب مجالًا حيويًّا للدراسة. من خلال اختيار الأطعمة الصديقة للأمعاء والأنظمة الغذائية المتوازنة، فيمكننا التأثير في صحة القلب والأوعية الدموية، وفتح طرق جديدة للوقاية والعلاج من الحالات المرتبطة بالقلب.
المصادر:
2. Wang L, Wang S, Zhang Q, He C, Fu C, Wei Q. The role of the gut microbiota in health and cardiovascular diseases. Molecular Biomedicine [Internet]. 2022 [cited 2023 Nov 10];3(1):30. Available from: هنا
3. Corliss J. How a healthy gut helps your heart [Internet]. Harvard Health Publishing. 2023 [cited 2023 Nov 12]. Available from: هنا