كتاب > الكتب الأدبية والفكرية
لا تلمني في هواها هل تنتحر اللغة العربية؟!
يتناول الكاتب والناقد الأدبي المصري رجاء النقّاش (1934 - 2008) في كتابه هذا مجموعةً من المقالات التي تُظهِر محاولة الأدباء والمفكرين تطوير اللغة العربية، في سبيل تحريرها من القيود وتقريب الفجوة بينها وبين الناطقين بها.
البداية مع شريف الشوباشي الذي دعا في كتابه "لتحيا اللغة العربية يسقط سيبويه" إلى إلغاء نون النسوة، وإلى عدِّ المثنى جمعاً وذلك لتبسيط اللغة، وإذ يشتكي الشوباشي من أن العربية بعيدة عن أبنائها بسبب تعقيدها، يواجهه النقَّاش بحجة أنه _أي الشوباشي_ استطاع كتابة كتابه هذا بلغة عربية سليمة بسيطة يفهمها المثقف والعامي، وبأنَّ اللغة ليست إلا أداة بيدِ من يستخدمها، فالرافعي مثلاً استخدم لغةً لا يستطيع العامة فهمها والاستمتاع بجمالها، في حين كانت لغة توفيق الحكيم قريبة من الشارع. ويتابع النقَّاش بأنه يجب إعطاء الشرعية اللغوية للكلمات التي اعتادها الناس دون أن تمسَّ جوهر اللغة ويورِد في ذلك على سبيل المثال: قهوة بمعنى مقهى، ومَتحف بفتح الميم، وهي كلمات أقرَّها المجمع اللغوي بعد أن كانت خطأً شائعاً.
ويُشير النقَّاش إلى أن صعوبة النحو والإملاء جعلت المواطن العربي يمتلك لغتَين؛ لغة يتكلم بها وأخرى يقرأ ويكتب بها، ويوافقه على ذلك الأديب أحمد حسن الزيات الذي قال "آفة اللغة هذا النحو"، كذلك شاركهم الناقد شوقي ضيف في هذه المسألة في رسالة بعث بها إلى النقَّاش وأشار فيها إلى كتابه "تجديد النحو" الذي دعا فيه إلى إلغاء الإعراب التقديري والمحلِّي وجميع الأبواب التي تُثقل النحو والناشئة، أما الشيخ علي الطنطاوي فقد شنَّ هجوماً على النحو والنحويين لما فيه من تعقيد، وعزا ذلك إلى انتفاع النحويين من تعقيده واتخاذه مهنةً وبهذا يضمنوا حاجة الناس الدائمة إليهم.
ويرى النقاش أن تعقيد قواعد اللغة جعلت حتى الأدباء الكبار يقعون في الأخطاء اللغوية، وفي هذا السياق يذكر على سبيل الطرافة كيف أن الكاتب وحيد الأيوبي كانت له زاوية في جريدة الأهرام يتصيَّد فيها أخطاءَ طه حسين كلما نشر كتاباً أو مقالاً.
من جهة أخرى، حمَّل النقَّاش ضُعف تقدير العربية وقلة استخدامها لأبنائها الذين استبدلوا بها اللغات الأجنبية في الإعلانات وأسماء المَحال التجارية "لغتنا يتم شنقها بيد أهلها ولا أحد يبكي عليها بل إن الكثيرين يخجلون منها ولا يثقون بها".
كذلك، لم يسلمِ المجمع اللغوي من اللوم، ويرى أن لزاماً عليه أن يُدخِل دائماً كلماتٍ جديدةً على اللغة، وبالحديث عن المجمع اللغوي يروي النقَّاش كيف كان في بدايته مجالاً لتندُّر العامة وسخريتهم، ومن طريف ما ذكر حول تعريب المجمع للكلمات الأجنبية إشاعةٌ ظهرت وزعمت أن المجمع اعتمد "شاطر ومشطور وبينهما طازج" تعريباً لكلمة "سندويتش" وقد جرت الإشاعة وصدَّقها بعضهم، في حين أن المجمع اعتمد حقيقةً كلمة "شطيرة".
فضلاً عن أن دخول العسكريين ميدان السياسة _بنظر النقّاش_ أسهم في العبث باللغة وإضعافها، إذ خاطبوا الشعب بالعامية ولم يولوا اللغة الفصيحة أيَّ اهتمام.
في المقابل، ظهرت دعواتٌ عديدة إلى إحلال العامية بدلاً من الفصحى، ويقول الشاعر والأديب ميخائيل نعيمة في دفاعه عن العامية:
"يا ليت الفصحى تأخذ بعض القواعد عن العامية، فهي لو فعلت ذلك لاستغنت عن الكثير من القواعد التي هي أوزار ثقيلة ورثتها اللغة العربية عن الماضي.. وإنه لمن الخطأ الفادح والجهل المطبق أن ننكر على العامية عبقرية تستمدها من حيوية الشعوب الناطقة بها".
ويضع النقاش حجةً على ميخائيل نعيمة بأنه نفسه لم يكتب سطراً بالعامية، ويرى أن هذه الدعوات مصيرها الفشل ولا يمكن أن يحدث الانقلاب اللغوي هذا، وسبب ذلك هو اللهجات الكثيرة الممتدة على مساحة الوطن العربي، وتجعل من العسير أن يفهم أحدها على الآخر، فالعامية ليست لغة واحدة لها قواعدها ومفرداتها، فضلاً عن جمالية العربية الفصحى التي تفتقر لها العامية.
المصادر:
أحمد شوقي
النقّاش رجاء. هل تنتحر اللغة العربية؟. نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع ط2 2010. ص143.