الغذاء والتغذية > منوعات غذائية
التّكاليف الخفيّة للنّظام الغذائي العالمي
قد تصابون بالصّدمة إن علمتم أنّ التّكاليف التي تترتّب على العالم جراءَ خللِ النّظام الغذائي في العالم تصل إلى 12.7 تريليون دولار سنويًّا. أي أنّ التّكاليف الخفيّة للنّظام الغذائي العالمي تُعادل 10% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفقًا لتحليل جديد صادر عن الأمم المتحدة (1).
إذ نشرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) إحصاءً جديدًا رئيسًا لتأثير النظام الغذائي العالمي في صحّتنا وكوكبنا، حلل التكاليف التي تتحملها الصحة والمجتمع والبيئة المُضمنة في النظام الغذائي الحالي (2).
إنّ التأثير الأكبر من الناحية النقدية كان على الصّحة، -على الصعيد العالمي- ارتبط 73% من جميع التّكاليف الخفيّة التي تحملتها منظمة الأغذية والزراعة بالأنظمة الغذائية التي أدت إلى السمنة أو الأمراض غير المعدية مثل مرض السكري وأمراض القلب. وكان الأثر الأكبر الآتي من الناحية النقدية هو التأثير في البيئة ومثّل أكثر من 20% من التكاليف الخفية الكمية (3).
إنّ التّكاليف الخفيّة للنظم الغذائية تتغير على نحوٍ كبير من بلدٍ إلى آخر. ففي البلدان مُنخفضة الدخل، يرتبط ما يقارب من نصف التكاليف الخفية بالفقر، وقد يكون سببها جزئيّ وهو عدم تمكُّن المزارعين من زراعة ما يكفي من الغذاء، أو عدم حصولهم على سعر عادل لمنتجاتهم. وفي هذه البلدان تصل التّكاليف الخفيّة للغذاء إلى ما متوسطه 27% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنةً بنحو 8% فقط في البلدان ذات الدخل المرتفع (1،4).
وتكشف الإحصائيات الواردة في تقرير منظمة الأغذية والزراعة أنّ التّكاليف الخفيّة لأنظمة الأغذية الزراعية في المملكة المتحدة بلغت حوالي 255 مليار دولار في عام 2020 -أكثر من 200 مليار دولار منها نتجت عن الأكل غير الصحي-. و 177 مليار دولار من التّكاليف الخفيّة في فرنسا، و23 مليار دولار في أيرلندا. وفي الوقت نفسه، بلغت خسائر ألمانيا الخفيّة 328 مليار دولار (298 مليار دولار من الأكل غير الصحي). وكانت تكاليف التلوث بالنيتروجين باهظة على نحوٍ خاص بالنسبة للمملكة المتحدة وأيرلندا، مقارنةً بإسهام القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي (4).
يمكن أن تكون هذه التّكاليف الخفيّة مترابطة؛ فإذا أخذنا الكاكاو -المكوّن الرّئيس في الشوكولا- مثالًا: يُزرع الكاكاو في الغالب في غانا وكوت ديفوار، إذ يحصل المزارعون في كثير من الأحيان على أجر زهيد مقابل محاصيلهم. ويتناول معظم سكان البلدان ذوو الدخل المرتفع هذا الكاكاو، وخاصةً في أوروبا، وعادةً ما يكون على شكل ألواح شوكولا محملة بالسكر. فإذا تناول الناس في أوروبا كمية أقلّ من الشوكولا، لكنّهم دفعوا أكثر مقابلَ منتج أكثر فائدة وأعلى جودة، فقد يساعد ذلك على تقليل الآثار الصّحية في أوروبا، وتوفير المال عالميًّا، ومن توجيه مزيد من الأموال إلى المزارعين في غرب إفريقيا (1).
إضافةً لما سبق فإنّ حسابات القيمة العابرة للحدود هذه يمكن أن تصبح معقّدة للغاية. لنأخذ على سبيل المثال استراتيجية الاتّحاد الأوروبي من المزرعة إلى الشوكة Farm-to -Fork Strategy، والتي تهدف - من بين أمور أخرى - إلى ضمان أن تصبح ربع الأراضي الزراعية في أوروبا عضوية وتقليل استخدام الأسمدة بنسبة 20% على الأقل بحلول عام 2030. ومن المحتمل أن يؤدي تحقيق هذه الأهداف إلى تقليل التكاليف البيئية الخفيّة في أوروبا، وأيضًا إلى خفض الإنتاجية الإجمالية للمزارع الأوروبية. وقد يعني هذا أنّ الدول الأوروبية بحاجة إلى استيراد مزيد من الغذاء من دول مثل البرازيل، الأمر الذي من شأنه أن يُحفّز إزالة الغابات ويضيف مزيدًا من التكاليف البيئية الخفية هناك (2).
لذا يتعين على الحكومات التّأكُّد من أنّها تعمل بالفعل على إصلاح المشكلات الكبيرة في نظامها الغذائي، وليس مجرد نقل المسؤولية في أنحاء العالم؛ إذ لا يوجد نظام واحد مثالي. تحتاج بعض الأماكن إلى مزيد من الزراعة الإيكولوجية أو العضوية لأنها قريبة من مناطق محمية وهي منطقة طبيعية حساسة، بينما في بعض الأماكن الأخرى يمكننا الزراعة على نحوٍ مكثف (1).
إن النظام الغذائي للناس هو أحد الأسباب التي تفشل فيها معظم البلدان ذات الدّخل المرتفع فشلًا كبيرًا. وفي هذه البلدان، بيّنت منظمة الأغذية والزراعة أنّ أكثر من 80% من التّكاليف الخفيّة للأغذية ترتبط بالنظم الغذائية غير الصّحية. وتمتلك اليابان حصة أقلّ من تكاليف الغذاء الخفية نسبةً إلى الناتج المحلي الإجمالي مقارنةً بدول مثل الولايات المتحدة أو كندا. وقد يرجع جزء من ذلك إلى أنّ اليابانيين يميلون إلى تناول مزيد من الأسماك ولأن طعامهم باهظ الثمن، مما يدفعهم نحو اتّباع نظام غذائي صحي عمومًا (2).
وفي نهاية المطاف، سوف يتطلّب خفض هذه التّكاليف الخفيّة مزيجًا من الإجراءات الحكومية، والاختيارات الفردية، وسلوكيات أكثر مسؤولية من جانب صناعة الأغذية. وتعمل منظمة الأغذية والزراعة بالفعل على إعداد تقرير العام المقبل، والذي سيقدّم سلسلة من دراسات الحالة لمساعدة البلدان على تنفيذ محاسبة التكلفة الحقيقية والبدء في التّعامل مع التكلفة الفعلية للنظام الغذائي.
المصادر: