كتاب > الكتب الأدبية والفكرية
أنا أم نحن؟؛ مراجعة مسرحية تماثيل الوحوش الزجاجية
في قصة ناتجة من تبعات حياته العائلية، كان تينيسي وليامز (Tennessee Williams) قد حولها إلى نصٍّ مسرحي، فحوَّلته بدورها إلى أحد أشهر كتاب الدراما الأمريكية وصاحب العديد من المؤلفات المسرحية التي أغنى بها المكتبة المسرحية ثمّ السينمائية فيما بعد، فقد سلطت مسرحية "تماثيل الوحوش الزجاجية" الضوء على قادم أعمال وليامز، مثل مسرحية "عربة تدعى الرغبة" مشيرة إلى مسيرة مسرحية متفردة.
وفيها يسرد كاتبنا حكاية تتكئ على أربع شخصيات لا غير؛ هم أماندا (الأم) ولورا (ابنتها صاحبة الوحوش الزجاجية) وتوم (الابن) وجيم (الزائر الشاب)، فمن داخل منزل أماندا -الذي سيكون عالم هذه المسرحية- وعلى مدارِ الخط الدرامي الخاص بها، لن يكفَّ هذا العمل عن إثارة العاطفة والغبطة في نفس القارئ، من خلال سبك الحوارات بما يتناسب مع الصراعات التي وضعها الكاتب في فحوى عمله.
تبدأ المسرحية مع كسر توم للجدار الرابع -أي مخاطبة الجمهور مباشرة- بمونولوجٍ قصير يوضح فيه الخلفية الاجتماعية للمسرحية، ويُعرِّف بشخوصها تعريفاً مقتضباً؛ ليكون بذلك الراوي الذي سيُعلَن من خلاله لحظة الشروع في العمل. فترفع مسرحية "تماثيل الوحوش الزجاجية" ستارها، ليتبين لنا ومع أول مشاهدها مكنوناً من مكنونات إحدى شخصياتها الداخلية؛ وهي الأم أماندا، إذ سيظهر للقارئ -في أثناء جلوسها على طاولة الطعام ومن خلال طريقة تعاملها- شيئاً من تسلطها وتحكمها وكثرة مواعظها لأولادها الاثنين (توم ولورا)، وسنكتشف لاحقاً خصلةً من النرجسية المبطنة التي ستصبح جليةً في قادم الأحداث عند أماندا.
وتتقادم المسرحية حتى منتصفها في صراعات حوارية تبدأها أماندا مع لورا حالما تكتشف الأولى ترك ابنتها للمدرسة وهروبها نحو صالات السينما لتجرب الحياة، فتتجلى الخيبة المترتبة على كل هذا في نفس أماندا الطامحة لأن تكون ابنتها على قدر من العلم ما سيسهل بذلك تزويجها، وقد كانت رغبة أماندا نابعة من خشية بقاء أماندا وحيدة طيلة عمرها، ثمَّ نتابع مع حالة من المشادة الحادثة بينها وبين توم عند شعورها برغبته في التخلي عن عمله في المستودع، فيما ينفجر هو غاضباً جراء اتهام أمه له بالأنانية بعد أن كان معيلاً لعائلته منذ اختفاء والده المفاجئ من حياتهم، ومع خروج توم الغاضب وعودته في الصباح الموالي ليعتذر من أمه عمَّا فعله، ستكون شخصيتنا الرابعة "جيم" قد اقتربت من الظهور بسبب إلحاح أماندا المستمر على توم أن يحضر لأخته خطيباً محتملاً من مكان عمله، وهذا ما وافق عليه توم مجبراً.
ومع اقتراب وصول جيم، تتواتر الأحداث في منزل أماندا عند معرفة لورا لاسم العريس المرتقب، فلما كان جيم صديق توم من المستودع فقد كان صديقاً قديماً له من أيام الثانوية أيضاً، وعلى قدر بسيطٍ من المعرفة بلورا التي كانت معجبةً به، ومن ثمَّ لم تستطع أن تكتم خجلها وارتباكها من لقائه حينما ظهر، فتهرب مختفيةً من مقابلته حتى يداهمها بعد نهاية العشاء الذي دُعي إليه، فيخوضان معاً حديثاً طويلاً قائماً حول خجل لورا ومقدرتها على التعامل مع تثاقل مشيتها بسبب المرض الذي جعل قدمها شبه عاجزةٍ عن التحرك كما ينبغي، ثمَّ تنتهي زيارة جيم لتوم وأماندا ولورا مع إفصاحه عن مخططاته القادمة وخروجه مستأذناً، لتقترب المسرحية من نهايتها مع ظهور ملامح التغير على لورا بعد حديثها مع جيم، لتُسدل الستارة في اللحظة التي أوشك فيها توم على أن يحلَّ صراعه الدائر طوال هذا العمل بين الأنانية والإيثار لأمه واخته.
وعلى الرغم من أن هذه المسرحية قليلة الكثافة من حيث الأحداث، فالآراء المتضمنة داخل حواراتها ولحظات الدراما الخاطفة فيها، كانت عزاء القارئ في أثناء قراءتها، غير أن هناك بعض المسرحيات -ونخصُّ بالذكر هذا النوع منها- تستدعي من القارئ أن يكون مشاهداً بحيث لا توضح القراءة المزاج العام لهذا العمل، لا سيما بعدما أضاف وليامز لهذه المسرحية حيلةً كانت جديدة حينها مُدخلاً الشاشة السينمائية لتكون رافداً تكنولوجياً وضرورياً كما الموسيقا لهذا العرض.
المصدر:
تينيسي وليامز. تماثيل الوحوش الزجاجية. ت: محمد يوسف رجب باشا. دار القلم العربي؛ الطبعة الأولى 1989. ص 135.