ما العوامل التي تؤثر في الاستهلاك العالمي للأطباق الجاهزة؟

في عالم مزدحم سريع التطوّر، يُعدّ الوقت رفاهية خاصةً عندما يتعلق الأمر بشراء الطّعام وإعداده. وقد أدى هذا التحول في نمط الحياة إلى تحفيز التوسُّع في قطاع الأغذية الجاهزة على مستوى العالم مثل الأطباق المعبّأة، المتوفرة في محلات البقالة ومطاعم الوجبات السريعة. وجديرٌ ذكره أنّه من المتوقع أن يُحققَ سوق الأغذية الجاهزة إيرادات ملحوظة تبلغ 1126.8 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2025. وهذا النمو ليس منتظمًا، لكنّه يختلف باختلاف المناطق، ممّا يعكس تنوع سلوكيات المستهلكين وديناميكيات السوق (1). في أوروبا، تُجسّد ألمانيا هذا الاتجاه؛ إذ يشهد قطاع الوجبات الجاهزة ارتفاعًا طرديًّا في المبيعات، إذ ارتفعت ارتفاعًا غير مسبوقٍ من 6.3 مليون يورو في عام 2012 إلى 8.6 مليون يورو في عام 2020، وينعكس هذا الاتجاه في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، إذ تتماشى الأنظمة الغذائية التقليدية على نحوٍ متزايد مع نموذج الراحة (1).

وتقدم الصين دراسة حالة فريدة في هذه الظاهرة العالمية. هنا، ارتفعت شعبية الأطباق المُعدّة مسبقًا، مدفوعة بالتحولات الاجتماعية مثل تناقص أحجام الأسر، وتسارُع أنماط الحياة (1).

هذه الزيادة في سوق قطاع الأغذية الجاهزة ليست مجرد ظاهرة تجارية؛ إنّه انعكاس للنسيج الاجتماعي المتطور وتفضيلات نمط الحياة في أنحاء العالم. وسوف تتعمق الأقسام الآتية في العوامل التي تُحرِّك هذا الاتجاه وآثاره في صناعة الأغذية العالمية.

ما العوامل المؤثّرة في هذا الاستهلاك العالمي للأطباق الجاهزة؟

1. الراحة وتوفير الوقت: إنّ النمو السريع في قطاع الأغذية الجاهزة للأكل مدفوعٌ إلى حدّ كبير بالتغيرات في سلوك المستهلك. أحد العوامل الرّئيسة هو العدد المتزايد من الأشخاص الذين غالبًا ما يجدون أنفسهم أمام وقت محدود للطهي. تُلبّي الوجبات الجاهزة هذه الحاجة من خلال تقديم خيارات سريعة وسهلة التحضير. هذه الراحة مطلوبة على نحوٍ خاص للمهنيين العاملين وأولئك الذين يعيشون في المناطق الحضرية (2).

2. تغييرات في نمط الحياة: تطورت أنماط الحياة الحديثة، خاصةً في المناطق الحضرية، لتعطي الأولوية للكفاءة والراحة. وقد أدى هذا التحوّل إلى تفضيل متزايد للأطعمة الجاهزة للأكل على الوجبات التقليدية المطبوخة في المنزل. ويتأثر هذا الاتجاه أيضًا في ارتفاع عدد الأسر المعيشية المكونة من شخص واحد وزيادة عدد النساء العاملات، ممّا يغير ديناميكيات إعداد الوجبات العائلية التقليدية (3,4). كذلك لا يمكن الاستهانة بتأثير وسائل التواصل الاجتماعي والتسويق الرقمي في تشكيل تفضيلات المستهلك. إذ أصبحت هذه المنصات حاسمة في الترويج للمنتجات الجاهزة للأكل، والتأثير في قرارات الشراء من خلال الإعلانات المستهدفة، وتسليط الضوء على الراحة ومواءمة نمط الحياة (3,4).

3. المخاوف الصّحية والغذائية: على الرغم من أن الوجبات الجاهزة توفّر الراحة، غيرَ أنّ هناك وعيًا متزايدًا بقيمتها الغذائية وآثارها الصحية. وقد ربطت بعض الدراسات استهلاكَ الوجبات الجاهزة بمشكلات صحيّة مثل السمنة. يمكن أن يؤثر هذا الوعي في خيارات المستهلك، ممّا يدفع الصناعة نحو تقديم خيارات صحية (3).

4. التوفر والتنوع: يتأثر التوسع في قطاع الوجبات الجاهزة تأثُّرًا كبيرًا في زيادة توافر المنتجات وتنوّعها. تقدم محلات السوبر ماركت ومنصات توصيل الطّعام عبر الإنترنت الآن مجموعة واسعة من الوجبات الجاهزة التي تلبي مختلف الأذواق والتفضيلات الغذائية والمأكولات الثقافية. وقد جعل هذا التنوع الوجبات الجاهزة أكثر جاذبية لجمهور أوسع (5).

5. الاعتبارات البيئية والسلامة الميكروبية: يثير إنتاج الوجبات الجاهزة وتعبئتها مخاوفَ بيئيةٍ، بما في ذلك البصمة الكربونية واستخدام المواد البلاستيكية. إضافةً إلى ذلك، تُعدّ سلامة الأغذية وخاصةً فيما يتعلق بحفظ الأطعمة الجاهزة والتعامل معها عاملًا حاسمًا.  يُعدّ ضمان السلامة الميكروبية والتقيّد بالمعايير التنظيمية أمرًا ضروريًّا للحفاظ على ثقة المستهلك واستمراريّة السوق (6,7).

6. العوامل الاقتصادية: تؤدّي الاتّجاهات الاقتصادية أيضًا دورًا مهمًا في نمو هذا السوق. وفي عديد من المناطق، يسمح ارتفاع الدّخل المتاح للمستهلكين بتحمل تكلفة الوجبات الجاهزة للأكل. وقد أدّت هذه القدرة الاقتصادية إلى تحوّل في أنماط الإنفاق الاستهلاكي، مع تخصيص أكبر للأغذية الجاهزة. علاوةً على ذلك، فإنّ استراتيجيات التّسعير التي تتبنّاها شركات الأغذية الجاهزة للأكل، والتي غالبًا ما تُقدّم المنتجات بأسعار تنافسية مقارنةً بخيارات الطّعام التقليدية، جعلت هذه المنتجات في متناول قاعدة أوسع من المستهلكين (1,7).

7. التقدم التكنولوجي: لقد أثّر التقدم في تكنولوجيا الأغذية على نحوٍ كبير في قطاع الأطعمة الجاهزة. وقد أدّت التّحسينات في طرائق حفظ الأغذية، وتقنيات التعبئة والتغليف، والخدمات اللوجستية إلى تحسين جودة هذه المنتجات وسلامتها ومدّة صلاحيتها. وقد سمح هذا التطور التكنولوجي بشبكة توزيع أوسع، ممّا جعل الوجبات الجاهزة للأكل متاحة في مزيد من المواقع، ممّا أدى إلى زيادة اعتماد المستهلكين (8).

8.التحولات الثقافية: تُسهم العوامل الثقافية أيضًا في زيادة شعبية الأطباق الجاهزة. هناك قبول متزايد للمأكولات العالمية، مدفوعًا بزيادة الرغبة في استكشاف تقاليد الطّهي المختلفة. وقد أدى هذا الانفتاح إلى الطلب على خيارات الطعام المتنوعة، والتي يستفيد منها قطاع الوجبات الجاهزة من خلال تقديم مجموعة من النكهات والأطباق العالمية (9).

ويؤدّي كل من هذه العوامل دورًا مهمًا في تشكيل سلوك المستهلك والسوق العالمية للأطباق الجاهزة. يُعدّ فهم هذه الجوانب ومعالجتها أمرًا بالغَ الأهميةِ لأصحاب المصلحة في صناعة الأغذية. إذ يُعدّ الارتفاع العالمي في استهلاك الأطباق الجاهزة ظاهرة متعددة الأوجه، تتأثر في التحولات في سلوك المستهلك، وتغييرات في نمط الحياة،  والمخاوف الصحية والغذائية، والاتّجاهات الاقتصادية، والتقدم التكنولوجي، والتغيرات الثقافية. ومع استمرار هذا القطاع في التطور، فمن المرجح أن يتكيّف ويبتكر استجابة لهذه العوامل الديناميكية، ممّا يشكل مستقبل عاداتنا الغذائية واتجاهات صناعة الأغذية.

المصادر: