الجغرافيا البشرية والعلوم الإقليمية > الجغرافيا السياسية
تاريخ الإمبراطورية
عاش معظم البشر خلال معظم الفترات التاريخية تحت حكم الإمبراطوريات؛ بما في ذلك الإمبراطوريتان الصينية والفارسية، والإمبراطورية الرومانية، وبيزنطة، والخلافة الإسلامية، والإمبراطورية العثمانية، والإمبراطوريات الهندية، والإمبراطورية الرومانية المقدسة، والإمبراطورية الألمانية، والإمبراطورية النمساوية - المجرية، والإمبراطورية اليابانية، إضافةً إلى الإمبراطوريات الاستعمارية في إسبانيا وبريطانيا وفرنسا والقوى الأوروبية الأخرى (1).
ولكن ما الفرق بين الإمبراطورية والدولة؟
يمكن تصوُّر الإمبراطورية على أنها كيان سياسي هائل الحجم ذو حدود متحرِّكة وحكومة متعدِّدة المستويات ذات سلطات قضائية متداخلة، في حين تُبنى "الدولة" على حدود ثابتة، وسيادة خارجية، وعلى هدف التجانس الداخلي (1).
يمكن تلخيص الخصائص الأساسية للإمبراطوريات في النقاط الآتية:
- هائلة جدًا سواء بالمساحة أو التعداد السكاني.
- ليس لها حدود ثابتة أو دائمة؛ إذ تميل الإمبراطوريات إلى توسيع أراضيها حتى تصل إلى نقطة الصراع مع الإمبراطوريات الأخرى.
- تتكوَّن من وحدات إقليمية متنوعة قد لا تتساوى في ارتباطها مع المركز.
- قد تتنوَّع أو تتداخل أنظمة الحكم في الوحدات الإقليمية؛ إذ قد تحكم الحكومة المركزية على نحوٍ غير مباشر عن طريق الحكومات المحلية (1).
وتتناقض هذه الخصائص مع مفهوم "الدولة" الذي يجسِّد وحدة سياسية تحدِّدها العناصر الآتية:
- كبيرة أو متوسطة الحجم بالمساحة أو التعداد السكاني.
- الأراضي الثابتة والحدود الرسمية؛ إذ يهدف الإنشاء الواضح لحدود الدولة الإقليمية والاعتراف الأجنبي بها إلى الحماية من الهجمات الخارجية والغزوات والمهاجرين والواردات.
- السيادة؛ إذ تتمتع الدولة بسلطة عليا على الإقليم والسكان، ولا تعترف بمصدر آخر للسلطة القضائية إلا نفسها، وتعترف بذلك الدول الأخرى ذات السيادة.
- محاولات الاحتكار والتجانس داخل أراضيها، عن طريق تنظيم التسلسل الهرمي للسلطات وإنشاء إدارة موحَّدة على كامل الإقليم، فضلًا عن تعزيز التجانس الاجتماعي والثقافي (1).
لا يوجد دليل على وجود إمبراطوريات بمساحة تزيد على 10000 كيلومتر مربع قبل عام 3000 قبل الميلاد؛ إذ نشأت أكبر الإمبراطوريات القديمة في مصر وبلاد ما بين النهرين بمساحة تبلغ قرابة مليون كيلومتر مربع، وهي مساحة صغيرة إذا ما قورِنت بالإمبراطوريات اللاحقة مثل الصين وروما التي قاربت مساحتها خمسة ملايين كيلومتر مربع، واستحوذت الإمبراطوريات الاستعمارية الحديثة مثل إسبانيا وبريطانيا على ملايين الكيلومترات المربعة أيضًا (1).
في العام 1900م، كانت الدول الإمبراطورية متعدِّدة الجنسيات المتمركزة في أوروبا الغربية تهيمن على النظام العالمي، وقد واجه النظام الإمبراطوري في أوائل القرن العشرين تحديين رئيسيين:
1- التنافس الإمبريالي؛ إذ تقاتلت الإمبراطوريات الأوروبية والأمريكية والآسيوية للاستيلاء على المستعمرات وتوسيع مناطق التجارة والنفوذ السياسي، وساهم هذا التنافس في نشوب حروب صغيرة النطاق وحربين عالميتين في النصف الأول من القرن العشرين.
2- حركات الاستقلال في المستعمرات التي طالبت في البداية بـ "الإصلاح"، وبدور أكبر في الحكومة الاستعمارية، ثم طالبت بـ "الثورة" والاستقلال، ولا يمكن تحقيق الاستقلال إلا عن طريق فصل المستعمرات عن الإمبراطوريات وإقامة دول مستقلة مكانها، ومن أجل تعزيز مطالبها بدأت الحركات تطالب بالحق في ممارسة "تقرير المصير" (3).
أما اليوم، فيوجد في عالمنا الحالي عدد من الكيانات السياسية هائلة الحجم والتي يمكن ربطها بمفهوم الإمبراطورية مثل روسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي (1).
فهل تعتقدون أنَّ فكرة الإمبراطورية تسهم في زيادة رفاهية الشعوب داخل حدودها أو خارج حدودها؟ وهل تستذكرون أمثلةً عن إمبراطوريات اندثرت في التاريخ بعد أن كانت قوية النفوذ؟
المصادر:
2- Malešević S. The foundations of statehood: Empires and nation-states in the longue durée. Thesis Eleven [Internet]. 2017 [cited 2024 Feb 18];139(1):145–61. Available from: هنا
3- Schaeffer RK. Secession and Separatism. In: Kurtz L, editor. Encyclopedia of Violence, Peace, & Conflict [Internet]. 2nd ed. Academic Press; 2008 [cited 2024 Feb 18]. p. 1887–92. Available from: هنا