الغذاء والتغذية > منوعات غذائية
هل تختلف حقًا البدانة عند الذكور عنها عند الإناث؟
يرتبط مرض السمنة بمعاناة إنسانية واسعة النطاق، ويتسبب أيضًا بتكلفة مالية هائلة للمجتمع، وتشير التقديرات إلى أنه في عام 1990، بلغت التكلفة المباشرة للأمراض المرتبطة بالسمنة في الولايات المتحدة وحدها 45.8 مليار دولار، والتكاليف غير المباشرة 23 مليار دولار. لذلك؛ السمنة ليست حالة اجتماعية فقط بل مرض متفشي (1).
من الملاحظ أن التعرض للسمنة لا يكون بالأثر نفسه لدى الرجال والنساء؛ فالنساء لديهن -عمومًا- نسبة أكبر من كتلة الجسم الدهنية، وهن أكثر عرضة لترسب الدهون تحت الجلد، وفي الأطراف السفلية مقارنة بالرجال، الذين هم أكثر عرضة لتراكم الدهون في منطقة البطن (2).
مع ذلك، إن الدور الذي يؤديه الجنس في التعرض للسمنة ليس مفهومًا تمامًا، فالأبحاث التي أجريت عن هذا الموضوع ما زالت غير كافية، لكن المؤكد هو أن الهرمونات الجنسية (الأندروجينات) هي العامل الأساس في هذا الدور، ويعتقد أن لها تأثيرًا ثنائي الاتجاه، إذ أن نقص الأندروجين (هرمون التستوستيرون خصوصًا) لدى الرجال يسهم في تطور متلازمة التمثيل الغذائي، وداء السكري من النوع الثاني، في حين أنه لدى النساء، فإن فرط الأندروجين هو ما يترتب عليه الآثار السلبية، كمقاومة الأنسولين، وداء السكري من النوع الثاني، وخلل أيضي في أنسجة متعددة بما في ذلك الجهاز العصبي المركزي والكبد والعضلات الهيكلية والخلايا الدهنية والخلايا البائية. وقد أثبتت دراسة أن (مستقبلات الأندروجين - androgen receptors - AR) -التي توجد في منطقة ما تحت المهاد والعضلية الهيكلية والكبد والأنسجة الدهنية وخلايا البنكرياس البائية- تؤدي دورًا أساسًا في استقلاب الغلوكوز والطاقة وفي التعرض للسمنة وداء السكري، ويرى الباحثون أن هذه المستقبلات تعدُّ هدفًا للعلاج والوقاية من الاضطرابات الأيضية المرتبطة بالأندروجين (3).
وبناءً على ما ذكرنا، فإن تأثير الأندروجينات متعاكس عند الإناث والذكور، إذ نجد أن نقص مستقبلات الأندروجين لدى الذكور المتقدمين في السن يسبب خللًا استقلابيًا، ولا يحدث كهذا التأثير عند الإناث، وهذا يقودنا إلى الاعتقاد بأن هذه المستقبلات أقل أهمية في الحفاظ على توازن الطاقة لدى الإناث (3).
وفي دراسة أجريت على فئران التجارب، تبين أن ذكور الفئران أكثر عرضةً للسمنة من الفئران الإناث، وهذا يعود إلى الهرمونات المفرزة من قبل المبيض (الإستروجين عمومًا)، التي توفر حماية نوعًا ما من زيادة الوزن. وذُكر في مراجع أخرى أن لها تأثيرًا واقيًا من سرطان الكبد، وهذا يفسر أن الرجال البالغين أكثر عرضة للوفاة بسبب السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية (CVD) من النساء (2).
وبالطبع هناك بعض المتغيرات التي تؤثر في النتائج السابقة، كالعرق ومستوى الدخل ومكان الإقامة. فقد بينت دراسات أن الذكور من العرق الأبيض غير اللاتيني لديهم احتمالات أكبر للسمنة مقارنة بأعراق أخرى، لكن هذا التأثير كان معاكسًا بالنسبة للإناث (4).
أما عن مكان الإقامة، فتبين أن الرجال والنساء المقيمين في المناطق غير الحضرية لديهم احتمالات أعلى للسمنة مقارنة بنظرائهم في المناطق الحضرية. وارتفاع دخل الأسرة يحمي الإناث من السمنة، لكن ليس الذكور، وهذا قد يُفسّر بالضغوط الاجتماعية والعائلية للتوافق مع صورة معينة للجسم موضوعة للنساء ذوات الحالة الاجتماعية والاقتصادية الأعلى (4).
ختامًا، لا بد من أخذ الاختلافات الأيضية والفيزيولوجية بين الجنسين في الحسبان عند دراسة الأمراض، كالسرطان والأمراض القلبية الوعائية، فهو سيقودنا نحو فهم أفضل واستكشاف علاجات واستراتيجيات وقائية أفضل لهذه الأمراض.
المصادر: