من الفائض إلى الموارد: الحدّ من هدر الطعام من خلال التحول السلوكي والثقافي

شرحنا في مقالٍ سابق عن تأثير سلوك الأسر واتّباع حميات غذائية في المناخ، و الطرائق الفعّالة للحدّ من هدر الطعام و الإسهام في التحول نحو الإقتصاد الدائري هنا، نتابع في هذا المقال الأسباب الجذرية، التي تؤدي إلى تقليل هدر الطعام.

 يُعدّ استكشاف المواقف الثقافية تجاه الغذاء أمرًا بالغَ الأهمية لتعزيز تحوّل العقلية نحوَ تقليل هدر الطعام واستعادة الموارد. يجمع هذا المقال نتائج الأبحاث الحديثة لتقديم رؤى عن تقليل هدر الطعام تقليلًا فعّالًا، من خلال نهجٍ شاملٍ يتناولُ السلوكيات الفردية والأعراف الثقافية.

الأسباب الجذرية لهدر الطعام:

• معلومات خاطئة للمستهلك عن انتهاء صلاحية الأغذية: سلّطت دراسة الضوء على الدور المهم لسوء فهم المستهلك فيما يتعلق بسلامة الأغذية منتهية الصلاحية وصلاحيتها للأكل، على الرغم من كونها قابلة للاستهلاك. حتى مع زيادة المعلومات عن ملصقات تاريخ الطعام، فإنّ تفضيلات الطعام التي تتجاوز تاريخ "الأفضل قبل" لم تتغير إلاّ عندما  تثقّف المستهلكون بخصوص الآثار البيئية لمخلفات الطعام بسبب الارتباك في ملصقات التاريخ (1).
• ممارسات تناول الطعام وبقايا الأطباق: أظهرت دراسة أُجريت في قطاع المطاعم، تأثير المعايير والمواقف الشخصية في الطعام، إذ تؤثر على نحوٍ كبير في نوايا المستهلكين لمنع بقايا الطّعام، ممّا يشير إلى أنّ هناك صلة قوية بين المواقف الثقافية وهدر الطعام. إذ تبيّن أنّ القيم الشخصية ومدى اهتمام الناس بإهدار الطعام يؤثران بقوة في جهودهم لتجنُّب بقايا الطعام. ومع ذلك، فإنّ الضغط الاجتماعي والشعور بالسيطرة على تصرفاتهم أقلّ أهمية. وتشير الدراسة إلى أن فهم سبب ترك الناس الطعام خارج المنزل دون تناوله يتطلّب النظر في مواقفهم المُحدّدة، مثل مذاق الطعام  (2). 

• مدة الصلاحية الديناميكية والخصم: تناولت دراسة في كيفية تقليل 89 مليون طن من الأغذية المهدرة سنويًّا في الاتحاد الأوروبي من قبل تجار التجزئة. وتشير إلى أنّ تجار التجزئة يمكنهم تقليل الهدر من خلال الخصومات على المنتجات القديمة، أو استخدام نظام تاريخ انتهاء الصلاحية الديناميكي، والذي يُعدّل بناءً على مدة الصلاحية الفعلية بدلًا من تاريخ ثابت. استخدم البحث نموذجًا لإيجاد أفضل الطرائق لإدارة مبيعات منتجات اللحوم، إذ أظهر أنّ مدةَ الصلاحية الديناميكية تعمل على تحسين الربح، وتقليل الهدر، وتضمن سلامة الأغذية على نحوٍ أكثرَ فعالية من مدة الصلاحية الثابتة، خاصةً في ظل ظروف معينة مثل انخفاض الطلب، أو قصر مدة تخزين المنتج. وبيّنت الدراسة أيضًا أن الخصم يساعد على تقليل الهدر لِكلا النّظامين، لكنّ العمر الافتراضي الديناميكي فعّالٌ على نحوٍ خاص، بل وأكثر من ذلك عندما يقترن باستراتيجيات الخصم (3).
• إعادة توزيع فائض الغذاء و دور أصحاب المتاجر: أظهرت إحدى الدراسات كيفية منع هدر الطعام في محلات البقالة من وجهة نظر أصحاب المتاجر في ألمانيا، مع تسليط الضوء على حصصهم المالية الشخصية في تقليل الهدر. بيّنت أن الأسباب الرّئيسة للهدر هي انتهاء الصلاحية والتلف، وعادات المستهلك، والإفراط في الطلب. يستخدم المالكون استراتيجيات مثل التخطيط الدقيق، وخصم العناصر التي شارفت على انتهاء الصلاحية، إلى جانب التبرع بالطعام الفائض. تؤكد هذه الدراسة على الدور الاستباقي لأصحاب المتاجر في تنفيذ إجراءات فعالة للحد من النفايات (4).

التدخلات التثقيفية: تناولت دراسة في أسباب هدر الطعام من المزرعة إلى المائدة في ألمانيا، وجدت أن الهدر يحدث في كل مكان، وليس هناك حل واحد يناسب الجميع. وهو يسلط الضوء على أهمية عمل جميع المشاركين في مجال الغذاء - من المنتجين إلى المستهلكين - معًا وتقدير قيمة الغذاء تقديرًا كبيرًا لتقليل الهدر. وركّزت على  أن مفتاحَ تقليلِ الهدر هو تحسين التواصل والتعاون على طول سلسلة الإمدادات الغذائية بأكملها (5).

يتطلّب الحدّ من هدر الأغذية اتّباع نهج مُتعدد الأوجه يجمع بين تحسين معلومات المستهلك، وتعديل ممارسات البيع بالتجزئة، وتعزيز التغييرات الثقافية تجاه استهلاك الأغذية وهدرها. ومن خلال استهداف الأسباب الجذرية لهدر الطعام وتعزيز الممارسات المستدامة، يمكننا أن نخطو خطوات كبيرة نحو نظام غذائي أكثر استدامة

المصادر: