الطب > زراعة الأعضاء
زراعة الأعضاء المعدلة جينياً، أمل جديد يلوح في الأفق
في الحلقة الخامسة عشر من الموسم الأول لمسلسل House.M.D، أجريت فلترة دم مريض من السموم عبر كبد خنزير حي؛ وما فعلوه في الواقع هو تجربة أولية، إذ مرر دم مريض ميت دماغياً عبر كبد خنزير معدل جينياً مع نتائج أولية جيدة (1).
لكن دعونا نأخذ هذه التجربة لأبعد من ذلك، ماذا لو تمكنا من زرع كبد خنزير على نحو دائم عند مرضى الفشل الكبدي، أو زرع أي عضوٍ حيواني آخر في الإنسان كالكبد أو القلب أو الكلية أو الرئة وغيرها.
تدعى هذه العملية بالزرع المغاير (Xenotransplantation)، وهي كلمة تعني نقل الأعضاء بين الأنواع الحيوانية المختلفة (أي بين القرد والخنزير مثلاً) (2).
إن تاريخ زراعة الأعضاء له فصول كثيرة، ولكن في هذا المقال سنتحدث خصوصاً عن الزرع المغاير (من الحيوان إلى الإنسان)، وعلى وجه الخصوص زرع الأعضاء الخنزيرية.
لكن وقبل الوصول إلى مرحلة الزرع يجب إجراء تجارب قبل سريرية عديدة، التي ستساعد على إنجاح هذه العملية.
وتتضمن هذه التجارب عمليات تعديل جينية على خلايا الخنازير لتقليل فرصة الرفض المناعي، وهنالك تجارب أولية أيضاً تتضمن زرع الأعضاء الخنزيرية عند حيوانات من فصيلة الرئيسيات (كالقرود) (3).
إذ زُرعت كلى معدلة وراثياً عند القرود، وكان معدل البقيا يتراوح من شهور إلى سنوات، بعدها أجري عدد من التجارب على مرضى ميتين دماغياً (4).
ومن هذه التجارب يوجد لدينا تجربتا زرع كلية خنزيرية عند متبرعين بشريين ميتين دماغياً.
جرت الأولى في مدينة نيويورك، حيث زُرعت كلى من خنزير معدل جينياً مزروع معها جزء من الغدة التيموسية الخاصة بالخنزير ضمن المتبرع، وروقب لمدة 54 ساعة، إذ أنتجت الكلية المزروعة ضعف كمية بول الكلى الأصلية (ويفسَّر هذا جزئياً بأن كلى الخنازير تمتلك عدداً أقل من النفرونات ونسبة نفرونات عميقة أقل من البشر، وبالنتيجة فإن قدرتها على تكثيف البول تكون محدودة)، وأظهرت نتيجة الخزعة التي أجريت لاحقاً جودة وظيفة الكلية المزروعة وبنية سليمة (3،5).
أما الثانية فجرت في مدينة برمنغهام ألاباما، حيث زُرعت كلى معدلة جينياً عند مريض متوفٍّ دماغياً أيضاً، لكن الكلية اليسرى تضررت في أثناء الجراحة مما سبب فشلها، أما خزعة الكلية اليمنى فقد أظهرت بوادر رفض مناعي (3).
كانت كل التجارب السابقة تُجرى على مرضى ميتين دماغياً، لذلك فإن المستوى التالي هو زرع الأعضاء في مريض حي.
وقد وافقت إدارة الدواء والغذاء الأمريكية (FDA: Food and Drug Administration) على عملية زرع قلب خنزير عند مريض عمره 57 سنة بسبب عدم توفر أي خيار علاجي آخر في جامعة ماريلاند (the University of Maryland)، بالرغم من عدم كون المريض المرشحَ الأفضل لعملية كهذه، وقد أخذ الأطباء هذه المخاطرة وزُرع قلب خنزير معدل جينياً ونجحت العملية على نحو باهر، حتى إن المريض صافح أطباءه بعد 40 يوماً من العملية.
لكن سرعان ما تدهورت حالة المريض بعد خروجه من المشفى، إذ تضخم القلب المزروع وتوقف عن العمل.
وكان السبب الأكثر احتمالاً لفشل العملية هو الرفض المناعي، لكن الفحوص التالية أظهرت أن سبب فشل القلب كان إصابة فيروسية بالفيروس المضخم للخلايا (3).
تظهر التجارب السابقة الصعوبات التي تواجه عملية نقل الأعضاء بين الأنواع، كالرفض المناعي والإصابات الفيروسية، وإن هناك 3 عوائق رئيسة تمنع نجاح عمليات نقل الأعضاء من الخنازير إلى البشر وهي:
1- مستضدات توجد على سطح بطانة أوعية الخنازير تسبب رد فعل مناعي.
2- تضارب عملية تخثر الدم بين المنظومة الخثرية في البشر والخنازير.
3- الفيروسات الرجعية الموجودة عند الخنازير، التي قد يصاب الإنسان بها بعد الزرع (6).
وفي خبر نقلته مجلة Nature، استُخدمت تقنية كريسبر (CRISPR–CAS9) لتعديل 69 جيناً في كلية زرعت لدى مريض حي بعمر 62 سنة.
وهو مريض خضع لزراعة كلية بشرية سابقاً، لكنها سرعان ما رُفضت، وبعد 6 أعوام من التحال الدموي خضع لعملية زراعة كلية الخنزير.
وتُعطى الموافقة على عمليات كهذه من قبل منظمة الأغذية والدواء الأمريكية في حالات نادرة فقط، حين تكون حياة المريض مهددة، وفي حال غياب أي تدابير علاجية أخرى (4).
هذه التجارب السريرية سابقة الذكر ضرورية جداً للمساعدة على الإجابة على أسئلة مهمة بخصوص هذا المجال المتطور بسرعة، مثل:
ما نوع التعديلات الجينية الملائمة؟
ما هو مدى تلاؤم الأعضاء المزروعة الفيزيولوجي؟
ما هو النظام الدوائي المناسب في هذه الحالات؟
ما هي طريقة التعامل مع الأمراض المنتقلة بين الأنواع؟
ما هي سلالة الخنازير الأكثر تلاؤماً للزرع؟ (3).
في الولايات المتحدة فقط هناك 90 ألف مريض ينتظرون الحصول على عملية زرع كلية، يموت منهم قرابة 20 مريض يومياً، وبالرغم من ازدياد معدل التبرع بالأعضاء إلا أننا لا نزال بحاجة إلى ملايين الأعضاء الأخرى لعمليات الزرع (4،6)، وهذه كلها أسباب مهمة لدفع الإدارات والمنظمات والمؤسسات المسؤولة عن هذه التجارب لإعطاء الموافقات عليها.
وبالنسبة إليكم ما رأيكم في المقال؟ وهل يجب على المجتمعات الطبية أن تسهم على نحو أكبر في هذا المجال؟
المصادر: