الموسيقا > تعرف إلى موسيقيي العالم

تشيت بايكر؛ ولِدَ ليكون كئيبًا.

ولد (تشيت بيكر - Chet Baker) في عام 1929م، وترعرع في كنف عائلة موسيقية في ولاية أوكلاهوما، فقد كان أبوه يعزف على الغيتار ويجول مع فرقة موسيقية، إلا أن اضطراره إلى الاعتزال والالتزام بوظيفة كئيبة عند ولادة بيكر، دفعه إلى الإسراف في شرب الكحول، مما ترك اثرًا سلبيًا في علاقتهم وعلى الأجواء العائلية عمومًا، لأنها كانت مشحونةً وتخلو من الدفئ والراحة، فعلى الرغم من ذلك، فإن بيكر كان يصر دائمًا على أن طفولته كانت سعيدة (2,1).

ترك بيكر دراسته ومنزله في عمر ال16، وتطوع في الجيش في الحرب العالمية الثانية عام 1946م، وأصبح عضوًا في الفصيلة رقم 198 المتمركزة في برلين، إلا أنه تركها بعد عامين ليدرس الموسيقى في مدينة لوس انجلوس، ليعود مرة أخرى ويتطوع في العام ذاته، وينضم إلى فرقة الجيش السادس الموسيقية في بريسيديو (2,1).

بدأ العزف في عدد من النوادي الموسيقية عندما سُرح من الجيش في عام 1951م، ورافق تشارلي باركر في جولته بعد عام وهو بعمر ال22، وانضم إلى (رباعي جيري موليغان - Gerry Mulligan Quartet) في الساحل الغربي، وكان باركر جزءًا مما يعرف بـ (West Coast Jazz)، وتمتع في ذلك الوقت بمظهر نجوم السينما، وأحب قيادة السيارات الفاخرة وارتداء الملابس الأنيقة، وكان محطّ الأنظار والاهتمام أينما ذهب (1).

للأسف الشديد كان الهيروين والجاز متلازمان في ذلك الوقت، وأينما وجد أحدهما وجد الآخر، وهذا كان الحال مع بيكر، الذي ورث عن أبيه حب الموسيقى والميول الإدماني نفسه، فكان لديه ضعف خاص إزاء الهيروين، الذي يُرجح أنه بدأ تعاطيه في بداية الخمسينيات. فعلى الرغم من ذلك، فإنه حقق نجاحًا باهرًا وتحول كل ألبوم فور صدوره الى تحفة كلاسيكية، مما جعله أعلى عازفي الجاز اجرًا (1).

كان يرهن بيكر آلاته الموسيقية مقابل المخدرات، وسُجِنَ في إيطاليا بتهمة حيازة المخدرات.

خاض بيكر شجارًا في عام 1966 في سوساليتو في ولاية كاليفورنيا، الذي يُرجح أنه بسبب المخدرات، مما أدى إلى فقدانه أسنانه وتحطم وضعية شفتيه فأصبح غير قادرٍ على العزف على آلة الترومبيت، الأمر الذي آل به إلى العمل في محطة وقود، إذ عزم لاحقًا على إيجاد طريقة للعودة إلى عالم الموسيقا.

عاد بيكر بقوة في السبعينيات بطقم أسنان جديد، وأسلوب مختلف في العزف، لكن دون التخلص من إدمانه، إذ إن انتقاله إلى مدينة نيويورك أتاح له فرصة العزف مع كوكبةٍ من أعظم موسيقيي الجاز (1).

وقضى العشر سنوات الأخيرة من حياته في أوروبا، ووُجِد ميّتًا أمام فندقه في أمستردام في عام 1982م في شهر أيار، حيث سقط من غرفته في الطابق الثاني، وقد عُثِرَ على بقايا وآثار للكوكايين والهيروين في غرفته وجسده، وانتشرت الشائعات والأقاويل عن التفاصيل المحيطة بهذا الحدث المأساوي، لكن بصرف النظر عما حدث فعلًا في تلك الليلة، فإن موته خسارة فاجعة للموسيقا والجاز (1).

وصدر بعد ذلك عديد من الأفلام التي تناولت حياة بيكر وموسيقاه، ومن أهمها الوثائقي (Let’s Get Lost) في عام 1989م، وفيلم (Born To Be Blue) الذي مزج بين الواقع والخيال، وركّز على لحظة محوريّة في حياته، حين عزم العودة الى الموسيقى بعد انقطاع طويل، وأدى دوره ببراعة وإتقان الممثل الأمريكي (إيثان هاوك - Ethan Hawke)

(3,2).

على الرغم من تعدد الكتب والأفلام التي تناولت حياته السريالية، فإن موسيقاه وأغانيه تبقى الأصدق في نقلها ليس فقط فيما يخص الأحداث والتواريخ، بل أيضًا التجارب الشعورية التي تُرجِمت ببراعة إلى علامات موسيقية تنبعث منها روح تشيت بايكر وألمه وشغفه عند عزفها، وتسكن قلوب الوحيدين والمحطمين والعاشقين على حد سواء.

المصادر:

1- The Music Plays On — Chet Baker. Donato writes about Chet Baker | by Donato Cabrera | Medium [Internet]. Las Vegas Philharmonic. 2020 [cited 2023 Jul 31]. Available from: هنا

2- Gavin, J. (2011) Deep in a dream the long night of Chet Baker. Chicago, Illinois : Chicago Review Press.

3- Born To Be Blue | Discover the best in independent, foreign, documentaries, and genre cinema from IFC Films. | IFC Films [Internet]. www.ifcfilms.com. [cited 2023 Jul 31]. Available from: هنا