الغذاء والتغذية > عادات وممارسات غذائية

فنون الطهي؛ نهج إبداعي لتعزيز الصحة العقلية والجسدية

فن الطهي ليس مجرد نشاط يقتصر على إعداد الطعام, بل هو طريقة من طرائق العلاج الذي قد يساعد الأفراد على التغلب على التوتر والقلق والاكتئاب. الطبيعة الإيقاعية للتقطيع والتحريك والقلي قد تكون بمنزلة ممارسة تأملية تقلل مستويات التوتر وتعزز الحالة المزاجية، وأظهرت الدراسات أن عملية الطهي لا تقتصر على تعزيز احترام الذات فحسب، بل تؤدي إلى زيادة مستويات السعادة والرضا في الحياة أيضًا (1). 

فن الطهي ومرضى السرطان :

أظهرت دراسة تُعنى بمرضى السرطان فعالية التدخل الجماعي المبتكر للطهي، الذي يشمل التغييرات في السلوكيات الغذائية والتركيز على (الأكل البديهي - Intuitive eating) -هو مصطلح يُشير إلى تناول الطعام بناءً على إشارات الجوع التي يرسلها الجسم، بدلًا من الالتزام بالقواعد الغذائية الخارجية أو الأنظمة الصارمة، ويتضمن التعرف إلى إشارات الجوع والشبع الجسدية والاستجابة لها بطريقة توّجه ما نتناوله ومتى نتناوله- والخيارات الغذائية الصحية، في تحسين نوعية حياة هؤلاء المرضى. هذا التدخل، الذي شمل 190 مريضًا بالسرطان، أدى إلى تحسينات ملموسة في نوعية حياتهم ورفاهيتهم الصحية، مؤكدًا أن تعديل سلوكيات الأكل له تأثير إيجابي كبير في الصحة الجسدية والنفسية للمرضى (1).

دور فن الطهي في تحسين النظام الغذائي:

يتيح الانخراط في أنشطة الطهي للأفراد التحكم في نظامهم الغذائي عن طريق اختيار المكونات الطازجة والصحية، مما يسهم في تبني أسلوب حياة أكثر صحة. يرتبط الطهي المنزلي بتحسين جودة النظام الغذائي، إذ يشمل زيادة استهلاك الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة، التي تعدّ عناصر ضرورية للصحة الجسدية (2)، فضلًا إلى أنه تُظهر الدراسات أن تعليم الطهي يسهم في تحسين المعرفة الغذائية والمهارات، مما يسّهل على الأفراد اتخاذ قرارات غذائية مستنيرة. ونتعرف إلى المحتوى الغذائي للأطعمة المختلفة وفوائد موازنة وجباتنا والتقنيات التي تحافظ على القيمة الغذائية أو تعززها وعن طريق إعداد وجباتنا. توفر دروس الطهي سواء كانت عبر الإنترنت أو شخصيًّا، مهارات قيّمة قد تغيّر علاقتنا بالطعام، مما يجعلنا أكثر معرفة وثقة في خياراتنا الغذائية (3).

فن الطهي وإدارة الأكل العاطفي:

تؤدي فنون الطهي دورًا حيويًّا في تعزيز عادات الأكل الصحية عن طريق تمكين الأفراد من المهارات والمعرفة اللازمة لإعداد وجبات مغذية، إذ تجعل فنون الطهي إعداد وجبات صحية أكثر سهولة ومتعة، مما يشجع على اتباع نظام غذائي يدعم الصحة العقلية. هذا الأمر يكتسب أهمية خاصة في سياق الرعاية الصحية، إذ يمكن للمتخصصين في هذا المجال أن يكونوا قدوةً ومرشدين لمرضاهم. أظهرت دراسة أن مقدمي الرعاية الصحية الذين تلقوا تدريبًا في التغذية، يميلون إلى اتباع عادات غذائية أفضل وهم أكثر استعدادًا لتشجيع مرضاهم على الأكل الصحي، وهذا يُبرز أهمية التدريب الغذائي لمقدمي الرعاية الصحية، والتأثير الإيجابي الذي قد يحدثوه في عادات الأكل لدى مرضاهم  (2,4).

قد يؤدي الطهي دورًا محوريًّا في إدارة الأكل العاطفي، وهو رد فعل شائع للتوتر، فعن طريق التركيز على الجانب الإبداعي لإعداد وجبات الطعام، يمكن للأفراد إعادة توجيه طاقتهم العاطفية وتقليل الاعتماد على الأكل بصفته وسيلةً للتكيف. وهذا يساعد على تنظيم سلوكيات الأكل، ويسهم في تحقيق التوازن العاطفي، وتبني عادات نمط حياة صحية. على سبيل المثال، أشارت دراسة إلى أن الطهي وإعداد الوجبات قد يكونا نشاطين علاجيين يساعدان الأفراد على إدارة التوتر والأكل العاطفي. وبيّنت الدراسة أنه يوفر الطهي إحساسًا بالسيطرة والإنجاز، الأمر الذي يكون مفيدًا خصوصّا للأفراد الذين يعانون الأكل العاطفي (2,5).

تأثير فن الطهي في العلاقات الاجتماعية والرفاهية العقلية:

قد يعزز الطهي العلاقات الاجتماعية أيضًا، التي تعدّ حيوية للصحة العقلية. إعداد الوجبات ومشاركتها يخلقان فرصًا للتنشئة الاجتماعية، وتعزيز العلاقات والروابط المجتمعية. قد تخفف هذه التفاعلات مشاعر العزلة والاكتئاب، فضلًا عن أنه قد يوفر الطهي الجماعي دعمًا عاطفيًّا، ويشجع على تبادل التجارب التي تسهم في تحسين الصحة العقلية (6).

وقد يعزز دمج فنون الطهي في الروتين اليومي عادة الأكل الصحي مدى الحياة، إذ تعدّ الأنشطة، كتخطيط الوجبات، وفهم الملصقات الغذائية، وتجربة بدائل المكونات، جوانب عملية لمحو الأمية في مجال الطهي التي من المحتمل أن تقود إلى اتخاذ خيارات غذائية أكثر استنارة ووعيًّا بالصحة. وتُظهر الأبحاث أن التدريب على الطهي يعزز قدرة الفرد على إعداد وجبات صحية وذات تكلفة أقل، الأمر الذي يُحسن جودة النظام الغذائي عمومًا (7).

تمثّل فنون الطهي تقاطعًا فريدًا بين الصحة العقلية والجسدية، وتوفر وسيلةً علاجيةً وغذائية لإدارة الصحة النفسية والغذائية. في حين تعرفنا على بعض الفوائد المتنوعة للطهي، يتضح أكثر فأكثر أنه يعدّ هذا الأسلوب الفني القديم عنصرًا أساسيًّا في تنمية نمط حياة متوازن وصحي. سواء تعلق الأمر بعملية الطهي نفسها أو بمتعة مشاركة الوجبات.

المصادر:

 

1- Barak-Nahum A, Haim LB, Ginzburg K. When life gives you lemons: The effectiveness of culinary group intervention among cancer patients. Social Science & Medicine. 2016 Oct;166:1–8 [cited 2024 April 29];. Available from: هنا
2- 1.Irl B. H, Evert A, Fleming A, Gaudiani LM, Guggenmos KJ, Kaufer DI, et al. Culinary Medicine: Advancing a Framework for Healthier Eating to Improve Chronic Disease Management and Prevention. Clinical Therapeutics [Internet]. 2019 [cited 2024 April 29];41(10):2184–98. Available from: هنا
3- LeBlanc-Morales N. Culinary Medicine. Critical Care Nursing Clinics of North America. 2019 [cited 2024 April 29];31(1):109–23. Available from:  هنا
4- Influence of Nutrition Training, Eating Habits, and Culinary Skills of Health Care Professionals and Its Impact in the Promotion of Healthy Eating Habits ‌January/March 2023 - Volume 38 - Issue 1 : Topics in Clinical Nutrition [Internet]. journals.lww.com. [cited 2024 May 1]. Available from: هنا
5‌- 1.Morse JL, Wooldridge JS, Herbert MS, Tynan M, Dochat C, Niloofar Afari. Associations Among Stress, Internalized Weight Stigma, Emotional Eating, and Body Composition in Active-Duty Service Members Enrolling in a Randomized Controlled Trial of a Weight Management Program. International Journal of Behavioral Medicine. 2023 Feb 2; [cited 2024 May 1]. Available from:  هنا
‌6- Jezewska-Zychowicz M. Cooking Methods, Social Relations and Situations Related to Food as a Part of Nutrition Education within Family. Rural environment Education Personality [Internet]. 2018 [cited 2024 May 1]; Available from:  هنا
7- Farmer N, Cotter EW. Well-Being and Cooking Behavior: Using the Positive Emotion, Engagement, Relationships, Meaning, and Accomplishment (PERMA) Model as a Theoretical Framework. Frontiers in Psychology [Internet]. 2021 [cited 2024 April 29];12(1). Available from: هنا