كتاب > الكتب الأدبية والفكرية

يبحث عن المستحيل؛ مراجعة مسرحية كاليجولا

إذن...هناك شكلان من السعادة وأنا اخترت تلك التي تحمل الموت وأنا سعيد

في رؤية مختلفة لأول الملاحم التي عرفها العالم "جلجامش" يخط لنا الكاتب والروائي الفرنسي ألبير كامو-Albert Camus

(7 نوفمبر 1913 - 4 يناير 1960) صاحب رواية "الطاعون" و"الغريب" إحدى مآثر أدب العبث قصة الإمبراطور الروماني "كاليجولا" بعد موت أنكيدو الخاص محوّلًا إيّاه إلى جلجامش الذي  لم يبحث عن الخلود بقدر ما وقعَ في غرام الموت عبرَ مزج مختلف من الأحداث والفلسفة التي طالما ميّزته عن غيره من الكتاب.

وعليه ضمن اجتماعٍ مغلق يخطّه نبلاء القصر في قاعته وهم يتقاذفون الأسئلة هنا وهناك عن موقع "كاليجولا" الذي اختفى دون أن يعلموا بمكانه بعد موت شقيقته وحبيبته "دروزيلا" سيبدأ كامو مسرحيته ليتابعَ في تعمُّق الحوار بينهم وبين "هيليكون" صديق "كاليجولا" ومع "شيريا" و "سيبيون" والمستنكرين جميعًا لسبب غيابه سيتصاعد الحوار حتى يدخل كاليجولا حديقةَ القصر فيقابلهُ هيليكون المتسائل عن فترة غيابه ليجيبه الإمبراطور الشاب بأن السبب هو الوصول لمراده والذي كان القمر مشيرًا إلى دأبه وراء الحرية عبرَ السعي خلف المستحيل، ومن ثمّ يطلب منه العون في قادم الأيام بعد رجوع الأول لتسلُّم دفّة الحكم، وفي هذا كلّه تتحرك المسرحية بين قرارات كاليجولا الغريبة، وجنونه الذي يحاول فيه إثبات حريته وبهذا التصاعد سيتقدم العمل ثلاث سنواتٍ يكون فيها حكم الإمبراطور قد تفاقمَ في ضغطه على النبلاء بعد خطته الاقتصادية ممّا أدى إلى تجمهرهنَّ للانقلاب عليه، والذي سيوقفه "شيريا" لا لمحبته للإمبراطور بل لإضفاء الحكمة على هذا الانقلاب ومن هنا يدخل كاليجولا وسيزونيا وهيليكون.

نكتشف مع دخول الثلاثة عبر هيليكون افتضاحَ تآمرِ النبلاء ومع مضي كاليجولا الذي سيقرّر تحريرَ العبيد واستبدالهم بالنبلاء، ذلك القرار الذي سيثير الجدل فيما بينهم ومع تهديده لهم يباشرُ النبلاء وضعَ أنفسهم موضع العبيد ليخبرهم بقرار إعدام "روفيوس" عامل الحديقة ومع عدم ذكره للسبب يُتابع كاليجولا نهجهُ في الحطّ من كرامة أولئك النّبلاء بينما هم يزيدون من تملُّقه ونكتشف مع سيزونيا خلال حديثها معهم رغبةَ كاليجولا في كتابة بحث ما، ليأتي كاليجولا ويطلب من رئيس ديوانه كتابةَ قرارٍ بإغلاق صوامع الحبوب، وعليه فإنّه سيتحكم بالمجاعة، إذ يبدأها بهذا القرار وينهيها متى يشاء ثم يكشف بنفسه عن البحث الذي حكت عنه عشيقته وعن فحواه الناص على فكرة (الموت إعدامًا) ومع طرح فكرة البحث ستزداد وحشية  وجنون كالجيولا حتى أشده بين قرارات غريبة وإعدامٍ غيرَ مُبرّر حتى صراعه مع سيبيون ذاك الفتى الذي كان يحب كاليجولا القديم ومن هذا الصراع ننتقل نحو مشهدٍ يكون فيه النبلاء وسيبيون مجتمعين، فبينما تقرع الطبول يدعو هيليكون وسيزونا الناس للاحتشاد بفرمان يشبهان فيه كاليجولا بأحد الآلهة معلنان فيه عن بداية عرض لا يشبهُ أي عرضٍ، وفيه يجمعون المال من المارة وما إن ينتهي حتى يستمر حوار كاليجولا وسيبيون إلى ذروته فبخروج الثاني وبدءِ هيليكون محاولةَ إقناع الإمبراطور بخطورة المؤامرة التي تُحاك ضده من قبل شيريا والنبلاء سيوضح كاليجولا عدمَ اهتمامهِ بكل هذا ورغم تأكيد النبيل المسن لما حكاه هيليكون عن اقتراب الموت من حاكمهم سيزيد الحاكم من تهكُّمه تجاه فكرة الموت.

وعند خروج الجميع يطلب الإمبراطور من شيريا المجيء ليدخلَ عليه فتجمعهما لغة الحوار البادئة بسؤال كاليجولا شيريا عن سبب عدم حبّه له ليُصرّح شريا عن رغبته في قتل كاليجولا بحديثٍ مُشبَعٍ ينتهي بإحراق الإمبراطور لمستندات قادرة على سوق شيرا إلى الإعدام والذي بدوره يقابل سيبيون فيحرّضه على قتل كاليجولا ممّا يودي به إلى عيش صراعٍ داخلي ينتهي برفضه فتسدُل الستارة لتفتح على استدعاء النبلاء ومعهم شيرا وهم يظنون بأنّهم قد كشفوا وأن قدرهم الآن أن يُحمَلوا إلى الإعدام بينما تدخل سيزونيا لتوضح سبب هذا الاستدعاء من قبل الإمبراطور.

ثمّ تتواتر الأحداث فتنتقل المسرحية ضمن مشاهد متتالية لجميع الشخصيات إلى أمسيةٍ شعريةٍ ستكون مواضيع الشعر فيها هي الموت والزمن ومع اقتراب العرض من نهايته يزداد جنون كاليجولا وتعطُّشه للدماء باعتباره أنَّها حالة موت أكثر سموًا من الفن الذي كان يحبّه فيقتل سيزونيا لتكون آخر ضحاياه ومن ثمَّ ينطلق بمونولوجٍ داخلي ينتظر فيه أن يدخل المتآمرون عليه تحت قيادة شيرا لقتله ومع دخولهم والانقضاض عليه ستكون مسرحية كاليجولا قد انتهت تاركةً خلفها ملكًا بحثَ عن الحرية في طلب المستحيل وعندما عجزَ عن الوصول له استنفذَ كل حدود الممكن في سلطته ونفوذه.

المصدر:

كامو ألبير. كاليجولا . ت: يوسف ابراهيم الجهماني. دار حوران للطباعة والنشر. ص 103.