الفلسفة وعلم الاجتماع > علم الاجتماع
الحروب والأزمات بين الحراك والجمود الاجتماعي
يُعرَّف الحِراك الاجتماعي على أنَّه انتقال أفراد أو مجموعات كاملة بين مستويات مختلفة داخل نظام التدرج الطبقي في أيِّ مجتمع (1)، ونقيضُه هو الجمود الاجتماعي، ولكن ما الدور الذي يؤديه هذان المفهومان في الحروب و الأزمات؟
الحروب والأزمات والثورات تؤدي إلى حراك اجتماعي:
على عكس الطابع التدريجي والمُنظَّم والطوعي للهجرة والحِراك في الأوقات العادية، فإنَّ الكوارث تجعل هذه العمليات مفاجئة وعنيفة وفوضوية ولا إرادية إلى حد كبير ومأساوية، وتعمل على تسريعها وتقويتها على نحو كبير وتؤثر فيها نوعيًّا بطرائق عدة بدءًا من اتجاه تيارات الهجرة والحراك. بالإضافة إلى تعطُّل شبكة العلاقات الاجتماعية القائمة، وتجعل البُنية الاجتماعية فوضوية وسائلة و"بروتوبلازمية". ومن هذا المنطلق تُعدُّ أحد أقوى عوامل التغيير الاجتماعي-الثقافي (2).
في كلٍّ من الحروب والثورات، يفرُّ جزء من السكان طواعية من مناطق القتال ومن تلك التي يحتلها العدو، وتُبعد السلطات جزءًا آخر قسرًا، ويُقبض على بعضهم ويُنفون. والنتيجة الإجمالية هي تشريد مفاجئ لأعداد كبيرة، وكذلك تُضخِّم كل ثورة من اللاجئين والمهاجرين نتيجةَ الإرهاب والنبذ والترحيل والنفي، وغيرها من الطرائق (2).
وعن طريق تدمير نسبة كبيرة من السكان، فإنَّ الكارثة أو الحرب واسعة النطاق تخلق عديدًا من الشواغر في مختلف طبقات المجتمع المتضرر ومؤسساته، ولا تحدث هذه الأماكن الشاغرة في المناصب الأدنى وحسب، ولكن في المناصب العليا أيضًا، والتي يجب شغلها في كثير من الأحيان من الرتب الأدنى؛ ما يسبب الحراك الاجتماعي (2).
فمثلًا، تُحفَّز الحرب على الحركة الصاعدة داخل الجيش والبحرية عن طريق وفاة الجنرالات والأدميرالات وغيرهم من الضباط، وما جنكيز خان أو نابليون أو الإسكندر العظيم إلا أمثلة على هذا الحراك الصاعد، بالإضافة إلى أنَّ النصر أو الهزيمة في أي حرب من الدرجة الأولى يغيِّر مكانة الشعوب المعنية جذريًّا؛ إذ يحوِّلهم إلى عبيد أو خدم (2).
فالأمة المنتصرة تصعد دائمًا إلى درجة أعلى على سلم التدرُّج الطبقي الاجتماعي مقابل الدول والشعوب الأخرى، وهذا الارتفاع لا يعني تغييرًا رسميًّا في المكانة فحسب، ولكن زيادةً كبيرة في القيم المختلفة -الثروة والحقوق والامتيازات والهيبة والأوسمة والمزايا الأخرى- التي تتمتَّع بها المجموعة المنتصرة؛ إذ تصبح "قوةً عظمى" تتحكَّم في أراضي المهزومين وممتلكاتهم وحياتهم وأنشطتهم. وبهذه الطريقة يتغيَّر وضع ومصير الملايين فجأة (2).
الجمود الاجتماعي يؤدي إلى الحروب والأزمات و الثورات:
من خلال دراسة شملت عدة بلدان لاختبار تأثير الحِراك الاجتماعي في عدم الاستقرار السياسي، وُجِد أن البلدان ذات مستويات الحِراك المنخفضة هي في الواقع أكثر عرضة لاختبار أشكال عديدة من الاضطرابات السياسية من اندلاع الحروب الأهلية وأعمال الشغب والإضرابات العامة والمظاهرات المناهضة للحكومة والاغتيالات السياسية وحرب العصابات والثورات (3).
كما وجد أنَّ الجماعات العرقية ذات المستويات المنخفضة من الحراك التصاعدي أكثر عرضة لشن حروب أهلية، و أنَّ المجتمعات ذات الحراك المنخفض بين الأجيال أو/ و الحراك داخل الجيل الواحد تكون أكثر اضطرابًا(3).
الجمود الاجتماعي يُوَّلد عدم الاستقرار عن طريق أربع آليات وثيقة الصلة:
- يُوَّلد الجمود الاجتماعي -مثله مثل عدم المساواة- الظلم، الذي بدوره يحرِّض الجماهير على تحدي النظام القائم.
- يخلق الافتقار إلى الحراك الاجتماعي حوافزَ للأفراد في الطبقة الدنيا لتوظيف العنف السياسي وسيلةً لتغيير التسلسل الهرمي الاجتماعي، على سبيل المثال من خلال العمل الثوري.
- يقلِّل الحِراك الاجتماعي المنخفض من التكلفةَ المُحتملة للمشاركة في الأنشطة المُسبِّبة لعدم الاستقرار، وهكذا فالجمود الاجتماعي يخلق فرصًا للعنف السياسي.
- يميل الأفراد الذين عايشوا الحِراك شخصيًّا -إما إلى الأعلى أو إلى الأسفل- إلى تبنِّي أيديولوجيات سياسية مُحافظة، وأن يكونوا أكثر دعمًا للنظام السياسي والتسلسل الهرمي الاقتصادي، لذلك في البلدان التي شهدت نسبة أكبر من السكان إمكانية الحراك، يكون هناك عدد أقل من الأشخاص المستعدين لدعم الحركات المناهضة للنظام القائم (3).
المصادر: