شرودينغر وقطته وفيزياء الكم

ليكن لدينا شخص تائه في مبنى مؤلف من عدد كبير من الغرف، وصديقه يريد أن يبحث عنه لكي يساعده في الخروج من ذلك المبنى. في البداية سيقف صديقه خارج المبنى؛ محاولًا أن يتوقع في أي غرفة يمكن أن يوجد صديقه التائه. إن احتمال وجود هذا الشخص في غرفة ما يسمى بالحالة الفيزيائية للشخص. ولكن، ون وجهة نظر فيزيائية، وما دام الشخص الذي يقف خارجًا لم يدخل المبنى بعد، فإن هذا الشخص التائه له احتمال وجود في كل غرفة في آن واحد بنسب متفاوتة ولأسباب مختلفة تعتمد على طبيعة هذا الشخص. ومنه يمكن القول فيزيائيًّا أن الاحتمال الكلي لتواجد هذا الشخص في كل غرفة من غرف ذلك المبنى يخضع لمبدأ تراكب الاحتمالات. ولكن في حال قام الشخص الخارجي بالدخول ووجد الشخص الذي في الداخل، فإن جميع احتمالات وجوده في الغرف الأخرى تصبح معدومة وهنا يمكن القول أن الشخص اتخذ حالة وحيدة.

يعرَّف مبدأ التراكب بأنه أداة فيزيائية تُشرح من خلالها الحالات الممكنة لنظام فيزيائي معين؛ إذ يكون هذا النظام موجودًا بعدة حالات ممكنة بنفس الوقت، وبعد عملية القياس يتخذ هذا النظام حالة وحيدة (1). 

ولتبسيط فكرة هذا المبدأ، اخترع عالم فيزياء الكم شرودينغر (Erwin Schrödinger 1887-1961) تجربته الذهنية المعروفة باسم قطة شرودنغر، لتفسير غرابة احتمالات عالم الكم، إذ يمكن للجسيمات الكمومية أن توجد في تراكب من الحالات الممكنة في نفس الوقت، وعندما يتفاعل أحد هذه الجسيمات مع الجسيمات الأخرى فإنه يتخذ حالة وحيدة (2).

في تجربة شرودنغر الذهنية، توضع القطة في صندوق يحتوي على قدر ضئيل من الراديوم المشع وزجاجة تحتوي على سم السيانيد؛ وعندما يتحلل الراديوم مطلِقًا أشعة نووية، فإنه يشغل كاشفًا للجسيمات النووية -يدعى عداد غايغر- مما يؤدي إلى كسر زجاجة السيانيد وتحرر السم وموت القطة (2,3).

إن تحلل الراديوم تحكمه قوانين فيزياء الكم، إذ إن الراديوم موجود بحالات متراكبة، أي يمكن أن يتحلل مطلقًا لكمية معينة من الأشعة، ويمكن ألا يتحلل، وبالتالي يمكن أن تكون القطة حية أو ميتة في نفس الوقت حتى يقوم أحد الموجودين بفتح الصندوق، وعندها يمكن للقطة أن تتخذ إحدى الحالات الممكنة، إما الموت وإما البقاء على قيد الحياة (2,3).

يكمن الفرق بين الجسيمات النووية من جهة، ومثال الشخصين أعلاه ومثال قطة شرودينغر من جهة أخرى، في إمكانية دخوله المبنى وإمكانية فتح الصندوق الحاوي قطة شرودينغر. بينما في عالم الجسيمات الكمومية فنحن غير قادرين على فتح الصندوق لرؤية حقيقة الأمور؛ ولهذا السبب تخضع الجسيمات الكمومية لعلم الاحتمالات على نحو عام.

كانت قطة شرودنجر مجرد تجربة ذهنية، ولكنها سببت كارثة في الوسط العلمي، إذ إنها تخبر الفيزيائيين أن وجود الجسيم يعتمد على احتمال وجوده، وبذلك تكون قطة شرودنغر مجرد مثال لتبسيط مفهوم تراكب الحالات في فيزياء الكم (3).

المصادر: