كتاب > روايات ومقالات

نوستالجيا القراءة عند ماريان وولف مراجعة كتاب “أيها القارئ: عُد إلى وطنك”

كتاب في محلِّه وعصره.

وُلدت (ماريان وولف_ Maryanne Wolf) عام 1947م في ولايا إنديانا \ الولايات المتحدة، وهي باحثة وأكاديمية ومُدرِّسة، مُتخصصة في علم الأعصاب الإدراكي، ومُهتمة بقضايا عسر القراءة ومحو الأمية والقراءة واللغة.

فتتحدث الكاتبة في "أيها القارئ: عُد إلى وطنك" عن طبيعة الدماغ القارئ وتحصيله المعارف واشتغاله في النقد والخروج بالتأويلات التي ترسم صورته عن العالم، فقد بدأت ذلك بمقدمة بيولوجية موجزة عن استقبال أدمغتنا للكلمات والأحرف ومعالجتها، لتنطلق في التجربة الدماغية –الذهنية والعاطفية بتمثُّل الآخر في نفوسنا أثناء القراءة: 

"نُرحب بالآخر ضيفاً على ذاتنا، وأحياناً نصبح أشخاصاً آخرين، للحظة من الزمن نترك ذواتنا، وعندما نعود نتوسع ونقوى، نتغير فكريَّاً وعاطفيَّاً".

وفي حديثها عن الدماغ القارئ، تناولت الكاتبة تطويره تعاطفاً مبنيَّاً على معرفة الآخر والشعور به؛ الأمر الذي يمكن الوصول إليه عند القراءة بالعين الهادئة والبعيدة عن المُلهيات، والتي تُحقق "معجزة التواصل" التي تحدّث عنها "بروست"، الروائي الفرنسي، وتُمكِّننا من التفكير النقدي والتأملي، وذلك وسط وسائل الترفيه السلبي التي تحيط بنا وبأطفالنا، والتي تبسط المعلومات والفكر وتجعل التجربة الفكريّة سطحية وخالية من التعقيد الضروري المُعبر عن الذات الإنسانية.

وفي هذا الصدد، تتحدث "وولف" عن جيل المُلهيات المفتقر إلى القدرات النقدية والفكرية اللازمة، والمتخلي عن دوره في التفكير للآخرين الذين يُسيِّرون حياته وسياسة مجتمعه ودولته، فالإنسان في العصر الرقمي تتجاذبه قوى تحاول تسطيحه قدر الإمكان وحرمانه الرغبة حتى في إعادة القراءة والنظر في المؤلفات التي مررنا بها سابقاً، كما أنه يسلب الأطفال قدراتهم الإبداعية والخلاقة، ويؤثر في ذاكرتهم وقدرتهم على قراءة النصوص بفعالية وعمق كافيين.

وتتوسع الكاتبة في أثر القراءة على مسامع الأطفال، أو تشجيعهم عليها ورقيَّاً لا إلكترونيَّاً، وعلى ذكائهم وقدراتهم الفكرية واللغوية وملكاتهم الأخلاقية، وبالتالي الأمر الذي يُغني لغتهم وقدرتهم التعبيرية ويعرِّضهم _في سن مبكرة_ إلى طبيعة اللغة وتنوعها والمجال الواسع فيها للتعبير وسرد القصص.

ولذلك تحدثت الكاتبة عن ضرورة الانتباه في تقديم الوسائل التكنولوجية إلى الطفل، وعلى أن يكون ذلك بالتدريج وأن يُسبق بتربية روتينية على الكتب الورقية واللغة السليمة والألعاب الملموسة والحركية التي تعزز قدرات الطفل الخيالية.

وتناولت أيضاً ضرورة إعادة النظر في الأنظمة التعليمية ومؤهلات المعلمين وسيلةً إصلاحية نُعيد فيها ملكة القراءة الجيدة إلى الأطفال والأجيال الجديدة، وضرورة إصلاحنا فجوة التواصل التي تسم مجتمعاتنا، ليتمكن الأطفال من الانخراط في مجتمعٍ يحترم مكانتهم وحقهم في التعلم واكتساب المعرفة والتعبير عن قدراتهم النقدية البسيطة.

وأشارت الكاتبة إلى أهمية استعادة قدراتنا التأملية والفكرية على تناول النصوص والمعارف والمعلومات بعين مُفكرة وناقدة، وضرورة تقديرنا للوقت الذي هو أثمن ما نملك، لأن الفضاء الفكري يحتاج متسعاً من الوقت ليعتاد عليه المرء وينتفع منه قدر الإمكان، وشددت على ضرورة تمسكنا بهذه القدرات الخلاقة، لتحقيق وجودٍ مكتمل لنا يَستحقنا ونَستحقه بدورنا:

"فإذا فقدنا، بصورة تدريجية، القدرة على فحص طريقة تفكيرنا، فسنفقد أيضاً القدرة على دراسة كيفية تفكير أولئك الذين يحكموننا بحيادية. إن ذلك يذكرنا بما نشهده في القرن العشرين، بأسوأ الفظائع المأساوية، وما يحدث عندما يفشل المجتمع في فحص أفعاله، ويتنازل عن سلطاته التحليلية، لأولئك الذين يُخبرونه كيف يفكر وماذا يخشى".

لذلك ترى الكاتبة أن القرّاء الجيدين مثل عصافير الكناري التي تستشعر الخطر قبل وقوعه، فازدهار الجنس البشري منوط بالجمع بين قدراتنا الفكرية والتعاطفية وما ينتج عنها من نظام أخلاقي فاضل نسعى إلى تطبيقه، فتَوقعُ مستقبلٍ أفضلٍ لنا ولأجيالنا مشروط بالقرارات الحكيمة التي نتخذها في الحاضر اليوم.

ماريان وولف، أيها القارئ: عُد إلى وطنك، ت. شوق العنزي. دار أدب للنشر. 2021. 390 ص.