الفنون البصرية > فنانون عالميّون
مارك روثكو (Mark Rothko)
وُلِد مارك روثكو (Mark Rothko) عام 1903م في مدينة دفينسك (Dvinsk) التابعة للاتحاد السوفيتي سابقاً، وهي حالياً مدينة داوغافبيلس (Daugavpils) في جمهورية لاتفيا، وهاجرَ مع عائلته عند بلوغه سن العاشرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1913م (1,2).
والتحق في عام 1921م بجامعة ييل (Yale University) لمدة عامين درس خلالهما أكثر من 8 اختصاصات منها؛ الفيزياء وعلم الأحياء والاقتصاد وتاريخ الفلسفة، وكانت نيته في البداية أن يصبحَ مهندساً أو محاميَّاً، إلا أنه أوقف دراسته في خريف عام 1923م لينتقلَ إلى مدينة نيويورك، ويلتحق برابطة طلاب الفن (Art Students League) (2).
يُعدُّ مارك روثكو من أبرز فنانين جيله، وارتبط اسمه بمدرسة نيويورك وهي مجموعة من الفنانين ظهرت في الأربعينيات بوصفها حركة جديدة أثرت في الفن الأمريكي.
وعلى الرغم من عدم انتسابه لأي مدرسة فنية صراحة، إلا أن أعماله ارتبطت بالحركة التعبيرية التجريدية الأمريكية للفن الحديث (3).
ففي بداية الأربعينيات من القرن الماضي ومع نشوب الحرب العالمية الثانية كانت المرحلة الانتقالية بأعماله الفنية؛ إذ قام بمجموعة تجارب أراد أن يعبرَ من خلالها عن المأساة التي أثرت به، فأخذت أعماله الطابع السريالي وشكل المواضيع الأسطورية (3).
وفي عام 1947م تخلى مارك روثكو عن عنونة أعماله بالطريقة التقليدية واستبدالها بأرقام أو أسماء ألوان لتمييزِ عملٍ عن الآخر، ورفض شرح لوحاته قائلاً: "الصمت هو الأدق" لخوفه من أن يشتت الكلام عقل ومخيلة المشاهد لعمله الفني (4).
وفي عام 1949م اعتمد روثكو الأسلوب الذي نفذ به أعماله واشتهر به إلى اليوم وهو عبارة عن لوحات تعبيرية تجريدية تمثّل مستطيلات ملونة غير محددة الحواف مرتبة عاموديَّاً على خلفية من لون واحد.
ومع غياب الموضوعات المباشرة في لوحاته، وتركيزه المتزايد على اللون لم يكن روثكو مهتماً بالشكل فقط، بل كان مصرّاً على أن لوحاته التجريدية تعبر عن طبيعة التجربة الإنسانية، وقد صرّح: "إنني مهتم فقط بالتعبير عن المشاعر الإنسانية الأساسية؛ كالمأساة والنشوة والخسارة وما إلى ذلك.
إن انهيار الناس وبكائهم أمام لوحاتي تُظهر أنني قادر على إيصال تلك المشاعر الإنسانية الأساسية، فالناس المنتحبون أمام لوحاتي قد مروا بالتجربة الروحية ذاتها التي مررت بها في أثناء رسمي لتلك اللوحات.
وإذا قلت إنك لم تتأثر إلا بالعلاقات اللونية في الأعمال، فقد فاتك الهدف الأساسي!"(5).
إن التقانات التي استخدمها الفنان تبدو في أعماله بسيطة ولكن عند الاقتراب من سطح هذه الأعمال نكتشف أنها غنية جداً بالتأثيرات.
فنلاحظ مثلاً في بعض الأعمال أن قطرات الطلاء على سطح اللوحة تسيل نحو الأعلى، وذلك لأن روثكو كان غالباً ما يقلب اللوحة في أثناء رسمها، وفي بعض الأحيان كان يقلب اللوحة ويغير اتجاهها بمرحلة متأخرة.
ولا ينفصل اللون عن البنية في أعمال روثكو، وذلك لأن الأشكال ذاتها تتكون من اللون فقط؛ إذ تنشئ طبقات الشفافيات المتعددة عمقاً تُكمل وتثري من خلالها التكوين العمودي في اللوحات.
وتستحضر الاختلافات في التشبع اللوني ودرجات الألوان في لوحات روثكو عالماً بعيداً، بينما تجتمع العناصر المكوّنة لأعماله من لون وبنية ومساحة لتكوّن حضوراً فريداً.
وفي هذا الصدد، ذكر روثكو أن الهدف من الأحجام الكبيرة للوحات هو احتواء المشاهد أو إحاطته، لا لتكون عظيمة بل لتكون حميمية وإنسانية (4).
وتُعرض الأعمال الفنية المرسومة على الورق عادةً في إطارات وخلف زجاج لأنها عادةً ما تكون صغيرة الحجم وحساسة، إلا أن روثكو أراد أن تُعرض لوحاته الورقية بدون أي منهما، وبدلاً من ذلك أصرَّ على أن يتم تُدعم بدعامة من الكتان أو الألواح وتُثبت بأسلاك من الخلف.
إن هذه الاختيارات غير المعتادة تضفي على أعمال روثكو الورقية حضوراً تماماً مثل لوحاته المرسومة على القماش المشدود، إضافةً إلى أنها تضع المشاهدين بتجربة مباشرة مع العمل الفني.
ولذلك كانت هذه العلاقة بين العمل الفني والمشاهد مهمة جداً بالنسبة لروثكو.
وقد قال: "اللوحة ليست صورة تمثل تجربة ما، بل إنها التجربة"(5).
ومن الجدير بالذكر أن روثكو في عمر يناهز 65 عاماً حصل في عام 1969م على الدكتوراه الفخرية من جامعة ييل التي التحق بها قبل 46 عاماً ولم يتخرج منها أبداً(5).
توفي مارك روثكو في 25 فبراير عام 1970م منتحراً بعد معاناته المرض الجسدي والاكتئاب. وفي وقت وفاته كان روثكو معروفاً على نطاق واسع في أوروبا وأمريكا لدوره الحاسم في تطوير الفن غير التمثيلي، فقد أكدت أعماله الملونة والنابضة بالحياة على قوة الرسم غير الموضوعي بإيصال العواطف والمشاعر الروحية القوية(4).
وبعزيمته والتزامه الذي لم يتزعزع لإثبات رؤيته الفنية الفريدة، مجدَّ روثكو قوة الفن شبه الأسطورية على تجسيد الخيال الإبداعي(4).
المصادر: