هل يمكن أن يسبب لك طبقك التسمم؟

(الرصاص - Pb) هو ملوث بيئي، ينشأ من مجموعة متنوعة من المصادر.

إنّ الجرعة المقبولة من الرصاص للبالغين (من الماء والهواء والطعام) هي 0.4 يوميًّا. وقد تسبب الجرعة التي تزيد عن 1 ملغ يوميًّا لمدة طويلة مرضًا خطيرًا يُدعَى "تسمم الرصاص"، في حين تُعدّ جرعة واحدة تتراوح من 20 إلى 50 غرامًا قاتلة (1).

لا تزال سمية الرصاص موضوعًا مثيرًا للجدل لعلماء البيئة، بسبب تأثير الرصاص السام في النباتات والحيوانات والبشر. وقد أظهرت نتائج دراسات أقيمت في الولايات المتحدة الأمريكية أنّ هناك نسبة من الرصاص في بعض أنواع الحلوى، وذلك بسبب احتواء مكوناتها -كمسحوق الفلفل الحار والتمر الهندي- على آثار للرصاص. كذلك قد يتسرّب الرصاص إلى الحلوى عند تجفيف المكونات وتخزينها وطحنها بطريقة غير صحيحة، وقد يحتوي الحبر الموجود في أغلفة الحلوى البلاستيكية أو الورقية على رصاص يتسرب إلى الحلوى المستوردة (2,3).

لكن؛ كيف يتلوث الغذاء بالرصاص؟

• يوجد الرصاص طبيعيًّا في البيئة على شكل كربونات الرصاص، وكرومات الرصاص، وأول أكسيد الرصاص، ورباعي أكسيد الرصاص، وذلك بسبب عوامل طبيعية، كالتجوية الجيوكيميائية، وانبعاثات رذاذ البحر، والنشاط البركاني، وإعادة تعبئة الرواسب والتربة والمياه من مناطق التعدين. لكنّ المنتجات والأنشطة البشرية، كمعالجة النفط والمواد الكيميائية الزراعية والطلاء والصهر والتعدين والتكرير وإعادة تدوير الرصاص ومستحضرات التجميل وتقشير إطارات النوافذ والأبواب والمجوهرات والألعاب والسيراميك والفخار ومواد السباكة والسبائك والمياه من الأنابيب القديمة والستائر الصغيرة المصنوعة من الفينيل والزجاج الملون والأطباق المطلية بالرصاص والأسلحة النارية التي تحتوي على رصاص من الرصاص والبطاريات ومشعات السيارات والشاحنات وبعض ألوان الحبر) تُعدّ من المصادر الرئيسة لتلوث الرصاص في البيئة، إذ تُراكِم بنتيجتها تركيزاتٍ أعلى من الرصاص على سطح التربة (3).
• يتمتع الرصاص بتقارب كبير مع المواد العضوية والغروية، فهو متاح بسهولة لامتصاصه من قبل النباتات، كذلك يمكن للحيوانات أن تبتلعه، وينتقل بذلك إلى سلسلة إمدادات الغذاء البشري (4).
• لا تخلو مياه الشرب من آثار الرصاص، ومن أسبابها: السباكة التي تحتوي على الرصاص، والتربة التي تحملها الأمطار والرياح إلى المياه، ومياه الصرف الصحي من الصناعات التي تستخدم الرصاص (5).
• يُعدّ الغبار الجوي وعوادم السيارات والطلاء من المسارات الرئيسة للتعرض البشري للرصاص (3).
• تُعدّ صناعة تعليب الأطعمة مصدرًا مهمًّا لتناول الرصاص؛ نظرًا لقدرته على التسرب إلى الأطعمة المعلبة (3,5).
• قد يؤدي تسخين الطعام في طبق يحتوي على الرصاص إلى تسريع عملية تسرب الرصاص. وكلما طالت مدة بقاء الطعام على اتصال بسطح طبق يحتوي على الرصاص؛ كلما تسرّب مزيدٌ من الرصاص إلى الطعام. كذلك تعتمد كمية الرصاص التي تتسرب من الطبق إلى الطعام على كيفية استخدام الطبق ونوع الطعام الذي يوضع فيه، فعلى سبيل المثال يتسرّب الرصاص إلى المشروبات الحمضية -صلصة الصويا وعصير البرتقال والقهوة والشاي ومشروبات الكولا- أسرعَ بكثير من الأطعمة غير الحمضية (5).

ولا بُدّ من الإشارة إلى أنّ تركيز الرصاص في الغذاء أو الماء يعتمد على الموقع الجغرافي ومدى القرب أو البعد عن مصادر التلوث.

التسمم بالرصاص:

يخضع امتصاص الرصاص من الجهاز الهضمي للخصائص الفيزيائية، كالعمر والحمل والصيام وحالة الحديد والكالسيوم، والطبيعة الفيزيائية والكيميائية للمادة المبتلعة، كحجم الجسيمات والذوبان والمعادن وأنواع الرصاص).

ينتقل الرصاص الممتص من الأمعاء إلى الأنسجة الرخوة، كالكبد والكلى وأنسجة العظام بواسطة خلايا الدم الحمراء، إذ يحدث الارتباط بين الرصاص والهيموغلوبين، ويتراكم فيها مع مرور الوقت (3).

يُقدَّر عمر الرصاص النصفي في الدم بـ 35 يومًا، في حين يُقدّر عمر الرصاص النصفي في الأنسجة الرخوة بـ 40 يومًا. وقد يبقى الرصاص في العظام مدةً تصل إلى 30 عامًا، علمًا أنّ تركيزات الرصاص في الأسنان والعظام تتزايد بتناسب مع العمر (3).

يخلق الرصاص روابطَ كيميائية مع مجموعات الثيول من البروتينات، ويُعتقَد أنّ سمية الرصاص تعيق عمل الإنزيمات، ومن ثم تتداخل مع توازن المغنيسيوم والكالسيوم والزنك، ويحدث الإجهاد التأكسدي الناجم عن التسمم بالرصاص، لأنه يعطل نظام دفاع الخلايا المؤكسدة/ المضادة للأكسدة (3).

ويجب الإشارة إلى أنه عُثِر على مستويات عالية من امتصاص الرصاص لدى الأطفال وليس لدى البالغين؛ إذ يُقدَّر أنّ البالغين قد يمتصّون 3-10% من الجرعة الفموية من الرصاص القابل للذوبان في الماء، في حين قد يصل لدى الأطفال إلى 40-50%.

كذلك وُجِدت تراكيز أعلى من الرصاص في دم الأطفال الذين يعانون نقصَ الحديد أو الكالسيوم مقارنةً بأولئك الذين لديهم مستويات كاملة من الحديد أو الكالسيوم (3).

التأثير السام للرصاص: 

• قد يسبب تلفًا مزمنًا للكبد.
• تمعدن العظام والأسنان. 
• يزيد مستويات إنزيمات الدم ويقلل تخليق البروتين.
• يفرض الرصاص تأثيرات سامة في الكلى عن طريق الضرر البنيوي والتغيرات في وظيفة الإخراج. 
• يؤثر في الجهاز العصبي والقلب والأوعية الدموية والجهاز التناسلي (3).

قد تحدث التأثيرات الأكثر خطورة للتعرض للرصاص في أثناء مدة النمو النشط للدماغ (أي المرحلة الجنينية ومرحلة الرضاعة) وفي مرحلة الطفولة المبكرة، إذ يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات عصبية، كصعوبات التعلم، وصعوبات السلوك، وانخفاض معدل الذكاء (4).

طُوِّرت بعض الطرائق من أجل تجنب الرصاص وإزالته من سلسلة الغذاء، وقد تنوعت ما بين طرائق فيزيائية، كاستبدال التربة أو المياه المستخدمة، أو المعالجة الكهروحركية للتربة، وكيميائية كغسل التربة، أو التثبيت الكيميائي للرصاص بواسطة عناصر أخرى، وبيولوجية التي تُعدّ أكثر الخيارات حفاظًا على البيئة، ونذكر منها التثبيت النباتي الذي يقلل حركية الرصاص وتوافره البيولوجي عن طريق الامتزاز بواسطة الجذور والترسيب الكيميائي والتكوين المعقد في منطقة الجذر، والمعالجة بالميكروبات؛ أي تقليل توفر الرصاص في البيئة باستخدام الميكروبات المحلية/ الغريبة (3).

وكان لعلم الوراثة والجينوم دورٌ في إيجاد أسلوب للوقاية من التلوث بالرصاص عن طريق زراعة أصناف من النباتات معدلة وراثيًّا من أجل خدمة هذا الغرض (3).

المصادر: